مؤتمر باريس «خطوة» نحو المصالحة الليبية: انتخابات رئاسية واشتراعية نهاية السنة

رندة تقي الدين 

أثمر المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي عُقد في قصر الإليزيه في باريس أمس، برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتفاقاً بين المسؤولين الليبيين الأربعة، رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز سراج، وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، ورئيس البرلمان (مقرّه طبرق) عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة (مقرّه طرابلس) خالد المشري، على إجراء انتخابات رئاسية واشتراعية «ذات صدقية» في ١٠ كانون الأول (ديسمبر) المقبل، واعتماد القوانين الانتخابية الخاصة بهذين الاستحقاقين بحلول ١٦ أيلول (سبتمبر) المقبل.


وعُقد الاجتماع بإشراف مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، وبحضور ٢٠ ممثلاً عن دول أوروبية وعربية بينها السعودية، والإمارات، ومصر، وقطر، وتونس، والجزائر، والمغرب، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.

وجاء في «الإعلان السياسي في شأن ليبيا»، الذي صدر بعد 4 ساعات من المحادثات، أن «القادة الليبيين يلتزمون العمل بشكل بنّاء مع الأمم المتحدة لتنظيم انتخابات سليمة وذات صدقية». وطلب الرئيس الفرنسي من ضيوفه اثناء الاستعداد لالتقاط صورة جماعية، إعلان التزامهم شفهياً الاتفاق، ففعلوا، وقال: «إذاً نحن نعمل على هذه الأرضية المشتركة، أحسنتم».

واتفق المسؤولون الليبيون الأربعة الذين وقعوا الإعلان، على «قبول نتائج الانتخابات، والتأكد من توافر الموارد المالية اللازمة والترتيبات الأمنية الصارمة». كما اتفقوا على «التزام تحسين الظروف العامة من أجل تنظيم الانتخابات الوطنية بشتى الوسائل الممكنة، بما في ذلك نقل مقر مجلس النواب وفق ما ورد في الإعلان الدستوري، وإلغاء الحكومة والمؤسسات الموازية تدريجاً، وحضّ مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على السعي فوراً إلى توحيد المصرف المركزي الليبي والمؤسسات الأخرى».

ورأى الرئيس الفرنسي أن الاتفاق يمثل «خطوة رئيسة نحو المصالحة»، واصفاً الاجتماع بأنه «لقاء تاريخي تواكبه الأسرة الدولية بمجملها». وثمّن التزام المسؤولين الأربعة التوصل إلى قاعدة قانونية تسمح بتبني قانون انتخابي لتنظيم الانتخابات، لافتاً إلى أهمية التزام رئيس البرلمان عقيلة صالح.

وردّ ماكرون على سؤال لـ «الحياة» عن ماهية الضمانات بألا تعيق الميليشيات الليبية الرافضة هذا الاتفاق تطبيقه على الأرض، وألّا تؤثر الخلافات العربية سلباً في الساحة الليبية، فقال: «كثّفنا مكافحة التهريب وتجارة الأشخاص التي كانت تقلقنا في ليبيا، وقلّصنا نفوذ بعض الميليشيات». لكنه أشار إلى وجود صعوبتين بارزتين هما «خطر الإرهاب وزعزعة الأمن»، معتبراً أن «من المستحيل التنبؤ بعدم حصول أي حدث أمني أو إرهابي في المستقبل، لكن التعبئة الليبية والتوافق حول البيان الذي صدر بين الأطراف الاربعة قد يعيق قدرة بعض الميليشيات على القيام بعمليات تخريبية. أما بالنسبة إلى التدخلات الخارجية، فالتعبئة الدولية التي ظهرت في هذا المؤتمر قد تقلّصها، لأن الدول كافة كانت مجتمعة هنا ووافقت على تواريخ الانتخابات المدرجة في البيان، وعلى هدف هذا المؤتمر. لم يعد بإمكان أحد أن يقول إنه يعارضه، فالدول التي لها دور وكلمة في الوضع الليبي كانت حاضرة ولم يغب أحد».

على صلة، تمنّى السراج على المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات ضد مَن يعرقل الاتفاق، مؤكداً ضرورة أن تخضع المؤسسة العسكرية للقيادة السياسية والمدنية. ورأى أن التحديات ما زالت كبيرة لا بل «قد تزيد». وشدد على أن «لا بد من قاعدة دستورية متينة لإجراء الانتخابات، وبالتالي قيام مجلس النواب بإعداد القوانين اللازمة ومنها قانون الانتخابات». وطلب «وقف الاقتتال في أنحاء البلاد»، مناشداً «الأطراف الحاضرة العمل على إنجاح الاتفاق». كما أعرب عن أمله بأن يكون الاجتماع المقبل في ليبيا. كما دعا المجتمع الدولي إلى بذل جهود هائلة للمساعدة في حل أزمة الهجرة، وقال: «نحن في حاجة إلى جهود هائلة على المستويين الأوروبي والدولي للتعاطي مع مئات آلاف المهاجرين الأفارقة المحتشدين على الأراضي الليبية».

من ناحية أخرى، لفت مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا إلى الدور الكبير الذي لعبه ماكرون في جمع الأطراف كافة، مؤكداً أنه «كان إنجازاً كبيراً لأن بعض هذه الأطراف لم يكن يعرف بعضه بعضاً، ولم يلتق وجهاً لوجه في السابق». وأوضح سلامة أنه لم يسبق له أن رأى توافقاً مثلما هو الآن، بين رغبة الليبيين والأسرة الدولية لتنظيم انتخابات في ليبيا «لتقرر مَن هو شرعي ومَن هو لا شرعي».

في المقابل، ذكر مصدر ديبلوماسي حضر الاجتماع أن «الأمور سارت على ما يرام. وما بعد ذلك، يعتمد على تنفيذ الاتفاق».