عبلة مرشد

تتنوع وسائل الإعلام المختلفة ما بين المقروء والمسموع والمرئي، وذلك يشمل كافة الأدوات الإعلامية المنتشر استخدامها منذ عقود، كالصحف والمجلات وما يشابهها من منشورات إعلامية مكتوبة، بالإضافة إلى الإذاعة والتلفزيون وغيرهما من الأدوات الإعلامية التقليدية الأخرى، وقد انضمت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة إلى تلك القافلة الإعلامية كأدوات نشر إعلامية مجتمعية ورسمية، وكمنصة إلكترونية يمكن من خلالها قياس ومعرفة درجة وحجم ونوع الصدى الاجتماعي المتولد، كنتيجة تمثل الرأي المجتمعي لخبر من الأخبار، أو حدث معين أو غير ذلك من إفرازات الإعلام المنتشر بكافة وسائله وأدواته.


ومما لا يخفى علينا حجم التأثير الكبير لتلك الوسائل الإعلامية على المجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته، سواء بنشر المعلومة أو الحدث أياً كان نوعه ومضمونه ومدى مصداقيته؛ أو بتأثيرها الكبير في توجيه الرأي العام للمجتمع والمساهمة إلى حد كبير في بناء قناعات وأفكار ومعتقدات لدى عموم المتلقين، بما يجعلها أداة مهمة وخطيرة في تشكيل الفكر العام وتكوين رصيده الثقافي، بل ووسيلة مؤثرة في خلق تيار مجتمعي مناهض ومضاد أو حليف ومؤيد لذلك الزخم من النشر الإعلامي المتدفق بكافة آلياته. 
وبالطبع فإن تلك الوسائل الإعلامية تختلف فيما بينها في درجة وحجم وسرعة التأثير والدور الذي تلعبه في توجيه المجتمعات، وذلك بناء على نوع الأداة الإعلامية المستخدمة؛ وحجم الطبقة أو الفئة التي تخاطبها؛ والنوع المستهدف ما بين ذكور وإناث، وبأعمارهم المختلفة، فقد تشمل كافة الفئات العمرية وقد تقتصر على فئة معينة، هذا بالإضافة إلى ما يلعبه المستوى التعليمي والثقافي والطبقي من دور حساس في حجم التأثير والتفاعل مع ما يتم نشره من أخبار وأحداث متنوعة.
وعلى الرغم من وجود السلطة الإعلامية الرسمية المسؤولة عن ضبط ومتابعة وتقييم ما يتم نشره إعلامياً، إلى جانب غيرها من الجهات المسؤولة، فإنه مع التقنية الإلكترونية وتقدم وسائل الاتصال والإعلام المختلف، أصبح من الصعوبة بمكان السيطرة تماماً على كافة ما يتم نشره إعلامياً، أو ما يتم تسريبه من أفكار وأخبار وأحداث سواء أكانت بناءة أم هدامة، فالسيل جارف والتدفق مستمر والتقنية تتقدم لتسيطر على كافة الفضاء الكوني، وتتدخل في تجييش التوجهات العامة الفكرية والعقدية وتتحكم في بناء ثقافات وتشكيل عقول وشخصيات تؤدلجها بما تتضمنه أجندتها من مستهدفات مختلفة.
ولذلك فإنه في ظل هذا الفيض الإعلامي المتدفق ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي تصدرت وسائل التأثير الإعلامي على كافة الشرائح والأعمار، فإنه من مسؤوليتنا كمجتمعات وكأفراد المشاركة والمساهمة الفاعلة في تصويب توجيه تلك الوسائل بما تتضمنه من محتوى مختلف وتأثير متفاوت، فالجميع شريك في النتائج المتحصلة سواء أكانت سلبية أم إيجابية، فالمتلقون جميعهم هم من الآباء والأمهات والأبناء والبنات والأخوان والأخوات، إذن فالجميع مسؤول عن المحتوى والمضمون الذي يرتضي أن يغذي به أسرته فكرياً وعقدياً، ولكون الأسرة نواة المجتمع ولبنته الأولى، وإن ما يمثله المجتمع من قيم وأفكار وتوجهات، إنما هو خلاصة لما تحتويه أُسر ذلك المجتمع من ثقافات مختلفة وقيم وأفكار تشكل هويته المجتمعية والثقافية، وتميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى القريبة أو البعيدة، لأن التميُز والاختلاف لا بد وأن يكون بدرجات متفاوتة، وذلك تبعاً لأساسيات وعوامل كثيرة ساهمت في تشكيل بنية المجتمع وهويته التي تميزه كشعب عن غيره من الشعوب في الأوطان المختلفة.
وكما أننا نشدد ونهتم باستدراك المسؤولية المجتمعية والفردية نحو إفرازات الإعلام المختلف وتأثيره الخطير، فإننا لا ننكر كذلك صعوبة السيطرة والتحكم في ذلك السيل الهائل المتدفق من المعلومات والأخبار التي ترد إلينا من كل حدب وصوب، في زمن أصبح فيه الكون قرية عالمية فعلياً وليس خيالاً أو أملاً نسعى إليه، ولكن على الرغم من الكثير من الإيجابيات لتلك العولمة اقتصادياً وثقافياً وما يلحقها من سرعة التواصل المجتمعي ما بين أفراد المجتمع ذاته أو مع المجتمعات البعيدة، فإن ذلك يدفعنا إلى مزيد من استشعار المسؤولية نحو تقنين ما يتم نشره على كافة المستويات وبمختلف مضمونه، بل والمحاسبة الفردية قبل الرسمية عن نوعية المحتوى ومضمونه لأن تأثيره وصداه سيمتد إلى أبنائك وإخوتك، وسيسهم في تشكيل ثقافتهم وقيمهم العامة والخاصة، والتي بها سيبنون من خلالها أُسرهم مستقبلاً، فهم اللبنات الأولى للجيل القادم وبهم وعليهم سيكون بناء الأوطان وتشكيل مجتمعاته، فإن صلحوا صلح مجتمع بأسره وإن فسدوا فسد كذلك المجتمع برمته.
ولذلك فإن الاستثمار في التعليم بما يتضمنه من جودة في النظام والمحتوى والتطبيق والآلية والنوعية، سينعكس بديهياً على المجتمع بأسره سواء في مجاله الثقافي والاقتصادي والمؤسسي أو في مجاله الأُسري، فمن خلال التعليم تبُنى القيم والأفكار والعلوم المختلفة، وبه تترجم المعرفة إلى سلوكيات وممارسات تتواءم مع ما قد تم بناء أُسسه مُسبقاً لدى الأفراد حول مختلف القضايا، ومن هؤلاء الأفراد تتكون الأُسر وتُبنى المجتمعات، وبهم تنهض الأوطان بمؤسساتها وقياداتها المختلفة. 
ومن هذا المنطلق يكون التعليم الجيد هو السلاح الأقوى تأثيراً، والدرع الأكثر حصانة في وقاية المجتمع بمختلف أفراده وشرائحه من ذلك الغزو الفكري والتجاوزات العقدية والتأثيرات المضادة لما يتبناه المجتمع من قيم ومعتقدات وأفكار يتم نشرها من خلال وسائل الإعلام المختلف، وبحصانة التعليم وتمكينه العلمي بجميع محتواه المعرفي والديني والثقافي؛ لا يمكن التأثير على العقول أو النقش عليها كصفحة بيضاء تستقبل ما يسجل فيها بسهولة، ولا يمكن كذلك تسطيح الفكر أو اللعب على ثغراته؛ لأن التعليم الجيد يؤسس لفكر ناضج قادر على التحاور والنقاش، متمكن من القدرة على التمييز بين الغث والثمين وبين الصالح والطالح. 
وخلاصة القول إن ما تسهم به وسائل الإعلام المختلف من تأثير في بناء أو هدم قيم وأفكار ومعتقدات وثقافات؛ إنما هي تعكس رؤية مجتمع بأفراده وبكوادره المؤسسية والفنية المختلفة، والمبنية بدورها على نظام ومستوى تعليمي ساهم في تشكيل رؤاه الفكرية والثقافية، إلى جانب ما يستند إليه في بنيته وتربيته الأسرية التي ساهمت في تشكيل بدايات تكوين أضلاعه وقواعده الأساسية، ومن تلك الأرضية تنطلق المجتمعات وتبنى الأوطان؛ ولذا فإن مسؤولية الإعلام كبيرة في انتقاء وتصفية ما يعرض من أعمال وبرامج ومسلسلات موجهة للمواطنين وغيرهم بأطيافهم المجتمعية المتفاوتة، لأنه يسهم إلى حد كبير في توجيه الرأي العام وبناء أفكار مجتمعه وحشوها بما هو مستهدف بناء على أجندات مختلفة، فالمسؤولية وطنية والعواقب نحصدها جميعاً، فلنحسن الزراعة ليجود الحصاد بالثمار النافعة والأُكل الثمين.