عادل الحميدان

تُظهر ردود الفعل القادمة من عواصم الدول الأوروبية الثلاث في مجموعة (5+1) حالة الذهول والصدمة التي سببها القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، حيث وجد الأوروبيون أنفسهم مضطرين إلى مغادرة صالة العرض في البازار الإيراني مبكراً قبل أن يجنوا ثمار العقود المليارية التي تسابقت شركاتهم لتوقيعها منذ اللحظات الأولى للتوقيع على ذلك الاتفاق في العام 2015م.

كبار القارة العجوز وخاصة الألمان والفرنسيين والبريطانيين على التوالي وضعوا المصالح الاقتصادية أساساً لخطابهم السياسي الذي تم توظيفه ليدافع عن الاتفاق ويمتدح فوائده ويسهب في شرح جميع تفاصيله بما في ذلك الدخول في النوايا الإيرانية تجاهه مستقبلاً، وهذه أمور يمكن تبريرها وفق قاعدة الربح والخسارة، خاصة وأن البنوك والشركات الألمانية والفرنسية كانت قد أبرمت عقوداً ضخمة أصبح من المستحيل المضي قدماً بها بعد انسحاب أهم اللاعبين من هذا الاتفاق.

ما تقدم يعطي إضاءة تُسهل فهم تصريحات المسؤولين الفرنسيين والألمان وبدرجة أقل البريطانيين عن الإصرار على المضي قدماً في هذا الاتفاق وتحدي القرار الأميركي، والتي بلغت حد دعوة وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أوروبا لعدم قبول أن تتصرف أميركا كشرطي الاقتصاد العالمي قبل أن يطرح تساؤلاً حول خيار الأوروبيين إما أن يكونوا «خدماً يطيعون القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة» -على حد وصفه- أو إظهار سيادتهم واستقلالهم المالي والعمل وفق مصالحهم الاقتصادية فقط.

إمكانية تحقيق هذه المصالح بعيداً عن القرار الأميركي من عدمها ربما تتجاوز أبعاد هذه التصريحات فلا توجد دولة تستطيع أن تحمي شركاتها من العقوبات الأميركية وذلك باعتراف الأوروبيين أنفسهم، وهو ما يمكن قراءته في حديث أقل انفعالاً لوزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير عندما اعترف بعدم قدرة بلاده على حماية الشركات الألمانية من تبعات القرار الأميركي، وهو موقف يقترب من الموقف البريطاني عندما ألقت رونا فيرهيد وزيرة الدولة بوزارة التجارة البريطانية المسؤولية على الشركات في تقييم المخاطر المالية والتجارية والقانونية لأعمالها وذلك في حديثها عن طرف ثالث سيتأثر بعودة العقوبات الأميركية على إيران.

أوروبا لا تزال تعيش الصدمة وعليها أن تكون أكثر واقعية في قراءتها للمستقبل خاصة وأن جرائم إيران المتواصلة تجعل من العسير الحديث عن نوايا حسنة قد تصدر منها في الحاضر أو المستقبل، إضافة إلى أن ذلك يأتي في وقت صعود التيارات الشعبوية التي يستحيل معها في بعض الدول الانضواء تحت مظلة أميركية أو حتى أوروبية موحدة.

ما تمارسه العواصم الأوروبية الداعمة لهذا الاتفاق أصبح مثيراً للتعجب والشفقة في آن واحد فقد بدت ولأول مرة منذ زمن طويل ضعيفة بالدرجة التي أصبحت تتحدث فيها وسائل الإعلام الإيرانية عن استهداف أميركي للاتحاد الأوروبي كما تستهدف واشنطن طهران!