وحيد عبد المجيد 

ليس جديداً الجدل حول احتمال نشوب مواجهة عسكرية إسرائيلية-إيرانية مباشرة في سوريا. ولكن هذا الجدل ازداد في الأسبوعين الأخيرين، بعد أن شنت إسرائيل غارات واسعة على أهداف إيرانية في سوريا، في وقت مبكر من يوم 10 مايو الجاري. تُعد هذه الغارات الأقوى، والأكثر تأثيراً، منذ سنوات عندما بدأت إسرائيل في استهداف قوافل تنقل أسلحة إيرانية، ثم مواقع لتخزين هذه الأسلحة. وجاءت تلك الغارات رداً على هجوم ضد قواتها، في منطقة الجولان، نُسب إلى قوات تابعة لإيران في سوريا، وكان الأول من نوعه.

ارتفع منسوب التوتر إلى مستوى غير مسبوق غداة تلك الغارات، برغم تأكيد إسرائيل أنها جولة عسكرية انتهت بتحقيق أهدافها، وليس لها ما بعدها إلا إذا تكرر الهجوم على قواتها، وسعي إيران بدورها إلى التهدئة عبر التنصل من كل ما حدث. فقد نفت مسؤوليتها عن الهجوم على مواقع إسرائيلية، وأنكرت أن الغارات التي أعقبته استهدفت البنية التحتية، التي أعلنت تل أبيب أن طهران أقامتها في سوريا.

ولذا يبدو احتمال نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين محدوداً في المدى القصير، ولكنه ليس مستبعداً في مدى زمني أطول. فالطرفان غير راغبين في مواجهة تُلحق خسائر متفاوتة بكل منهما. وبرغم أن الخسائر الإيرانية ستكون أكبر، وأوسع نطاقاً، على الأرجح، يبدو أن إسرائيل تفَّضل تجنب أي خسائر يمكن أن تلحق بها.

ولكن ما قد يكون أكثر أهمية من ذلك أن العداء بين الطرفين ليس جذرياً إلى الحد الذي يدفعهما إلى خوض حرب مدمرة، لأن الصراع بينهما مركب، وينطوي على أبعاد متعددة.

ومن هذه الأبعاد أن إيران تستخدم الخطاب المعادي لإسرائيل وسيلة لكسب قطاعات من الرأي العام العربي. ولكي تحقق هذه الوسيلة الهدف منها، لا تريد إيران أن تُختبر في مواجهة عسكرية قد تُظهر أن قوتها أقل مما تُروَّجه عنها.

ولا مصلحة لإسرائيل، في المقابل، في خوض حرب مع إيران إلا إذا تأكد صانع القرار فيها من أنه يستطيع تدمير قدراتها النووية في حال بلوغها المستوى الذي يُمثَّل تهديداً فورياً للدولة العبرية. وليس هناك ما يدل على أن لدى إسرائيل ما يدفعها إلى الاعتقاد في أن ضرب القدرات النووية الإيرانية بات ملحاً، بافتراض أنها تملك معلومات كاملة عنها.

وإذا تأملنا تفاصيل ما أعلنه رئيس وزرائها، في مؤتمره الصحافي في 30 أبريل الماضي، عن اختراق استخباراتي أتاح الحصول على «نسخة طبق الأصل من الأرشيف النووي الإيراني»، نجد أنه ليس هناك جديد نوعي في الوثائق التي عرضها. فقد كان معلوماً أن إيران تواصل الحفاظ على خبراتها، سعياً لاستخدامها في المستقبل، لأن اتفاق 2015 الذي انسحبت واشنطن منه أخيراً يؤخر برنامجها النووي، ولا يُقوَّضه، ولكن معظم الخبراء الإسرائيليين يرون أن هذا البرنامج لم يصل بعد إلى مستوى التهديد الخطير الذي يستوجب من ثم شن حرب فورية، وتحمل أي خسائر تترتب عليها.

وهذا يفسر ميل كل من الطرفين إلى الالتزام بخطوط حُمر، وحرص إسرائيل على أن تكون ضرباتها ضد مواقع إيرانية في سوريا محددة، ودقيقة، ومحسوبة جيداً، لكي لا تؤدي إلى انزلاق نحو مواجهة في غير أوانها.

غير أن هذا كله لا يُلغي احتمال نشوب هذه المواجهة مستقبلاً، بعد التحول الذي حدث في أنماط الصراع بين الطرفين. كان هذا الصراع محصوراً، على مدى سنوات، في غارات إسرائيلية على قوافل سلاح إيرانية. ولكنه أخذ يتطور بسرعة منذ إسقاط طائرة «درون» إيرانية مفخخة فوق إسرائيل في فبراير الماضي، ثم قصف مطار «تي فور» في حمص وقتل سبعة عسكريين إيرانيين في أبريل، فيما تصاعد التراشق اللفظي، وأخذ منحى أكثر عنفاً.

وإذا كان تطور البرنامج النووي الإيراني لم يصل إلى مستوى تعتبره إسرائيل تهديداً فورياً، فقد ازداد قلقها من الانتشار المتزايد لميليشيات تابعة لطهران في سوريا. ولعل أكثر ما يُقلقها توطين أعداد كبيرة من هذه الميليشيات في مناطق ذات أهمية استراتيجية عسكرية أو اقتصادية. كما أن المواجهة قد تحدث دون قصد، وليس نتيجة قرار. فغير قليلة الحروب التي اندلعت بسبب أخطاء في الحسابات، أو لحدوث احتكاك غير مقصود يخلق تداعيات تخرج عن السيطرة، وتؤدي إلى مواجهة. وهذا احتمال قد لا يكون راجحاً في المدى القصير جداً، ولكن وزنه سيزداد في فترة لاحقة.