محمد علي فرحات 

في التعريف المبسّط للحرب الأهلية أنها تدور بين أطراف من شعب واحد تتصارع ليعلو رأي فوق باقي الآراء ويصبح نهجاً لإدارة المجتمع والدولة. التعريف مبسط وغير واقعي لأن مقولة الشعب الواحد هي نفسها مبسطة، خصوصاً في المشرق العربي حيث أعراق وأديان غائرة في التاريخ وتفاجئ العالم حين تطلع جذورها فجأة في صورة أشواك أمام جماعة من السكان وفي صورة أزهار أمام جماعة أخرى. ولا يمكن هنا إهمال العناصر الاقتصادية والسلوكية الثقافية في التفريق بين ما نتعارف على تسميته «الشعب الواحد» وهو ليس واحداً في أي حال.


حتى في حروب الوجود لا يتوحّد «الشعب» كما نشهد، مثلاً، في فلسطين، حيث مزاج السياسة غالب لدى سلطة الضفة الغربية وجزء كبير من سكانها، وحيث مزاج الحرب لدى سلطات غزة حيث لا يدري أحد نسبة الميول العسكرية لدى السكان، كما يتعذّر معرفة نسبة مؤيدي الثورة الدائمة بين الناس الصامتين.

بل إن إسرائيل بنيامين نتانياهو اليمينية المغامرة لا تخلو من نزعة الحرب الأهلية، وربما تتطرف أكثر، إذ كيف لمسؤول إسرائيلي يدّعي أن دولته هي الديموقراطية الوحيدة في الشرق، أن يعلن على الملأ أن الوقت حان لممارسة الاغتيالات في غزة حفظاً لأمن إسرائيل. وفي تعريف الاغتيال المبسّط أنه الفعل الجرمي الأبعد عن أي شريعة أو قانون أو حتى دفاع عن النفس.

ثمة تداخل إسرائيلي- فلسطيني على رغم سعي سلطة الاحتلال إلى تمييز نفسها ومجتمعها عن سكان البلاد الأصليين، وعلى رغم تمسّك الفلسطينيين بحق طبيعي يجعلهم أكثر ثقة بالذات الجمعية من المستوطنين الطارئين. ثمة تداخل قد يصل أحياناً إلى التشابه، بحيث تبدو الحرب الفلسطينية- الإسرائيلية المديدة أشبه في بعض مواقعها ومراحلها بحرب أهلية مشرقية.

وفي ما يتعدى القضية الفلسطينية تبدو الحرب الأهلية في سورية مع الثورة عام 2011 وما قبلها وما بعدها، عملية استدعاء لقوى إقليمية ودولية يمكنها وحدها ضبط الصراع ووضع حدود له، وإن موقتة. وقد يتطلب الاستدعاء حوارات بين القوى ذات التأثير في سورية، للتوصل إلى صيغة تلبي مصالح هذه القوى وتدفع السوريين إلى دولة أمر واقع تحفظ ما تبقى من سلامهم وما لم يتهدم من مدنهم وقراهم. إنها الحرب الأهلية الدائمة والتي تتعرض لفترات سلام يفرضها كبار الإقليم والعالم بالقوة. هكذا شعوب المشرق التي تشكو من أعطاب أصلية يفرض عليها السلام فرضاً، حتى إذا تُركت إلى حالها، أي إلى حريتها، تستمر في التقاتل إلى ما لا نهاية ولا تعوزها الذرائع للانتحارات الجماعية المسماة ثورة أو دفاعاً عن دولة موهومة ضد الثورة.

ومثل سورية، العراق، الذي يقدّم لنا، على الأقل، سياسياً فاشلاً سلّم أكثر من نصف وطنه إلى «داعش»، صاحب كتلة وازنة في البرلمان الجديد. من انتخب نوري المالكي وكتلته حقاً؟ وعندما انتخب هل كان يرغب بولادة جديدة لـ «داعش» تستند إلى تعصّب المالكي وإصراره على حكم الغالبية، يعني الطائفية، أي نهجه المدمّر على رؤوس الأشهاد؟ ومثل العراق ليبيا البعيدة عنه، والتي تشبهه في توزيع الثروات والسلطات على قوى الأمر الواقع المستندة غالباً إلى قبائل، بدل الطوائف، وقوى جهوية، بدل القوميات الصغيرة. وليس بعيداً من هذا كله لبنان الذي يجترح بعد انتخاباته الأخيرة شعار محاربة الفساد، فقط لأن عملية الفساد أصبحت بلا موضوع، فلا مال في القطاع العام والديون تأكل الناتج القومي كله. إذاً، فليرفع الجميع هذا الشعار بعدما تأكدوا من عدم وجود مفعول رجعي لمكافحة الفساد والفاسدين، فالذي ضرب قد ضرب والذي هرب قد هرب، والعقبى لبؤس الأجيال الآتية.