فاتح عبد السلام

هناك‭ ‬زيارات‭ ‬تقليدية‭ ‬العنوان‭ ‬لكنها‭ ‬تحمل‭ ‬رمزية‭ ‬سياسية‭ ‬عميقة‭ . ‬لايمكن‭ ‬الركون‭ ‬الى‭ ‬التفسير‭ ‬العادي‭ ‬المعلن‭ ‬عن‭ ‬زيارتين‭ ‬يقومان‭ ‬بها‭ ‬السيدان‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬وعمار‭ ‬الحكيم‭ ‬في‭ ‬موعدين‭ ‬متقاربين‭ ‬الى‭ ‬الكويت‭ ‬،‭ ‬فيما‭ ‬يشتعل‭ ‬الحراك‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بين‭ ‬الكتل‭ ‬الفائزة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬لتشكيل‭ ‬الكتلة‭ ‬الأكبر‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬مركزها‭ ‬دائما‭ ‬السيد‭ ‬الصدر‭ ‬سواء‭ ‬شكّل‭ ‬تلك‭ ‬الكتلة‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬يشكلها‭ .‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬تشظى‭ ‬العراق‭ ‬ولاءات‭ ‬سياسية‭ ‬خارجية‭ ‬،‭ ‬وبقي‭ ‬موحداً‭ ‬أرضاً‭ ‬وشعباً،‭ ‬تسعى‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬جيرانه‭ ‬،وجميعها‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬فترات‭ ‬من‭ ‬الحقب‭ ‬الخلافية‭ ‬مع‭ ‬بغداد‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬،‭ ‬الى‭ ‬رسم‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬وفق‭ ‬المحاور‭ ‬الداخلية‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ . ‬والكويت‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬القلقة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬سياسي‭ ‬مفاجيء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬فهي‭ ‬دولة‭ ‬حذرة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سياسي‭ ‬عراقي‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نياته‭ ‬ومواقفه‭ ‬وتأثره‭ ‬بالمحيط‭ ‬الخارجي‭ ‬،لذلك‭ ‬تكون‭ ‬خطوات‭ ‬الكويت‭ ‬محسوبة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سواها‭. ‬و‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تقيم‭ ‬الكويت‭ ‬دائماً‭ ‬علاقاتها‭ ‬الجيدة‭ ‬مع‭ ‬القطبين‭ ‬الشيعي‭ ‬والكردي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬للعرب‭ ‬السنة‭ ‬قطبية‭ ‬معتد‭ ‬بها،‭ ‬وتهتم‭ ‬الكويت‭ ‬بتفاصيل‭ ‬لبعض‭ ‬الصلات‭ ‬الخاصة‭ ‬كالزيارة‭ ‬الرمضانية‭ ‬التقليدية‭ ‬لآل‭ ‬الحكيم‭ ‬الى‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بعيدة‭ ‬واللقاء‭ ‬مع‭ ‬أميرها‭ ‬دائماً‭ .‬

‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬نلحظ‭ ‬انّ‭ ‬زيارات‭ ‬السيد‭ ‬الصدر‭ ‬تأتي‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬زيارات‭ ‬الحكيم‭ ‬للكويت‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الاخيرة‭ ‬،‭ ‬وتأخذ‭ ‬طابعاً‭ ‬سياسياً‭ ‬،‭ ‬فالصدر‭ ‬زار‭ ‬الكويت‭ ‬أوّل‭ ‬مرّة،‭ ‬في‭ ‬‮٢٨‬‭ ‬حزيران‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٥‬‭ ‬للتعزية‭ ‬في‭ ‬ضحايا‭ ‬تفجير‭ ‬مسجد‭ ‬الامام‭ ‬الصادق‭ ‬الذي‭ ‬نفذه‭ ‬تكفيريون،‭ ‬بعد‭ ‬زيارة‭ ‬لعمّار‭ ‬الحكيم‭ ‬سبقت‭ ‬التفجير‭ ‬بيومين‭ ‬،وكان‭ ‬موقفا‭ ‬سياسياً‭ ‬مهماً‭ ‬للصدر‭ ‬ورسالة‭ ‬فيها‭ ‬دلالات‭ . ‬والصدر‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬للتباحث‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬كما‭ ‬يعلن‭ ‬مكتبه‭ ‬،وليس‭ ‬بين‭ ‬طرف‭ ‬جزئي‭ ‬عائلي‭ ‬أو‭ ‬مذهبي‭ ‬أو‭ ‬حزبي‭ ‬والكويت‭ . ‬وتكتسب‭ ‬الزيارة‭ ‬أهميتها‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬خارجية‭ ‬للصدر‭ ‬بعد‭ ‬فوزه‭ ‬بالانتخابات،‭ ‬ولايمكن‭ ‬غض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬وعدها‭ ‬للسلام‭ ‬التقليدي‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬لايشكل‭ ‬نسقاً‭ ‬سياسياً‭ ‬للصدر‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬إنّ‭ ‬الحكيم‭ ‬يزور‭ ‬ضمن‭ ‬الصلة‭ ‬التاريخية‭ ‬العائلية‭ ‬مع‭ ‬آل‭ ‬الصباح‭.‬

‭ ‬نذكر‭ ‬هنا‭ ‬بأنّ‭ ‬التقارب‭ ‬التحاوري‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الصدر‭ ‬والحكيم‭ ‬كان‭ ‬مفتتحاً‭ ‬لحوارات‭ ‬الكتلة‭ ‬الأكبر،‭ ‬فالطرفان‭ ‬برغم‭ ‬الفارق‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬حجميهما،ينفيان‭ ‬عن‭ ‬نفسيهما‭ ‬الحزبية‭ ‬ويحملان‭ ‬اسمي‭ ‬تيارين‭ ‬،وهما‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معروف‭ ‬من‭ ‬المسار‭ ‬التاريخي‭ ‬الطويل‭ ‬للنجف‭ ‬الاشرف‭.‬

وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬أي‭ ‬مراقب‭ ‬سياسي،‭ ‬أن‭ ‬يتساءل‭ ‬لماذا‭ ‬كانت‭ ‬الكويت‭ ‬الوجهة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأولى‭ ‬للفائز‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬العراقية‭ ‬؟