سليمة لبال 


أدى انسحاب الولايات المتحدة الاميركية من الاتفاق النووي الايراني، إلى تعثُّر الكثير من المشاريع التي تنفذها شركات أجنبية وفرنسية على الخصوص في إيران.
وبعد نحو 3 سنوات من الانفتاح، يبدو أن «الألدورادو» الذي حلمت به هذه الشركات قد انهار بفعل القيود الأميركية.


حين حطت طائرة برنار فاجيس المدير الاقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وإيران في مجموعة نوكس في مطار البحرين، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أعلن للتو إعادة فرض كل العقوبات التي رفعت عن إيران قبل ثلاث سنوات.
ويدير برنار فاجيس منذ عامين في طهران فرع شركة نوكس وهي مجموعة فرنسية كبرى، متخصصة في هندسة العمارات ويقول هذا المسؤول في مقابلة مع مجلة ليكسبرس الفرنسية إن «بعضا من مشاريع الشركة كان يعاني الشلل في إيران، حتى قبل الانسحاب الأميركي».

ويضيف: «بالنسبة للمستقبل سنرى ما الذي سيحدث».

وأما على شاشة تلفزيون غرفته في الفندق، فكانت صور ترامب تتوالى، وهو يستعرض النتائج السلبية للاتفاق النووي مع ايران، بينما في المنطقة، فكانت السعودية تعلن عن ترحيبها بقرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، بينما كانت الشركات الأجنبية العاملة في إيران تعض على نواجذها بعد هذه الضربة القاصمة التي ستضيع عليها «الألدورادو» الإيراني.
فجأة تبخر حلم انفتاح إيران اقتصادياً بعد ثلاث سنوات من الوعود، ففي الـ14 من يوليو 2015، وقّع الاعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن والاتحاد الاوروبي اتفاقاً يرفع بموجبه جزءاً من العقوبات المفروضة على ايران، بينما توقف طهران برنامجها النووي، وكان هذا التنازل بالنسبة للرئيس المعتدل حسن روحاني مرتبطاً بوعود تخص تدفق الاستثمارات الاجنبية لدفع الاقتصاد الايراني بعد سنوات من الأزمة.

سوق واعدة


وأسالت السوق الإيرانية لعاب العالم. فالبلاد يأهلها 80 مليون نسمة، أربعون في المئة منهم تقل أعمارهم عن 25 عاما، وهم متعطشون لكل شيء من الملابس إلى الحقائب الفاخرة الى الاكسسوارات والتكنولوجيا والسيارات الغربية ومواد التجميل والادوية والاجهزة الرياضية.. إنها سوق عذراء، لا تعرفها الشركات الغربية.
وتقول المحامية ماهاستي رجائي، التي تعمل لدى مكتب اوغست دبوزي «كانت هناك حاجة أيضا لبناء البنى التحتية كالجسور والطرقات والموانئ والمطارات والمصانع لمعالجة النفايات او تنقية المياه».
في تلك الفترة كوّنت هذه السيدة المحامية فريقا لمرافقة زبائنها إلى الاماكن التي يختارونها للاستثمار، واما مكتب ماكنزي، فقد جدول استثمارات بقيمة 1000 مليار دولار على مدى العشرين سنة المقبلة، بينما كانت الحكومة الايرانية تحلم باستثمارات بقيمة 50 مليار سنويا.

استثمارات دون التوقعات


ويقول ردفان أمير أسلاني، وهو محامي أعمال ينحدر من أصول إيرانية إن 10 مليارات دولار فقط دخلت البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية.
ووفق آخر أرقام نشرت في تقرير الاستثمار العالمي في 2017 فإن 4 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية فقط دخلت إيران في 2016.
ووصل برنار فاجيس، الى طهران قبل عامين لينفذ مشروعا كبيرا هو «مول ايران» وهو أحد أكبر المراكز التجارية في العالم، حيث تصل مساحته إلى مليون متر مربع في ضاحية شرق العاصمة.
المشروع بقيمة 2.5 مليار يورو ويتضمن برجا للمكاتب، يمتد على طول 54 طابقا، وقصرا ومحال تمتد على مساحة 300 ألف متر مربع، وحلبة تزلج وقاعة سينما ومركزا للمؤتمرات، والبرج محاط بنافورات راقصة تسقي الحديقة الفارسية.
كانت كل العلامات الفرنسية تحلم بالحصول على زاوية في هذا المول، لكن المشروع يعاني من تأخر وبطء في الانجاز وفق برنار فاجيس.
ويقول ميشال ماكينزي، مدير مكتب أجيروميز انترناشيونال إن مشروعا واحدا فقط انجز من بين مئات المشاريع في إيران.
وأما بالنسبة لصناعة السيارات، فقد أصبحت طهران بالنسبة لـ«رينو» ثامن سوق في العالم، حيث قفزت المبيعات بنسبة 50 في المئة في ظرف عام واحد، بينما «بيجو» التي اعادت إحياء عقودها مع الشريك المحلي التاريخي إيران خودرو، فقد سجلت توزيع 443 الف سيارة العام الماضي، غير بعيد عن الرقم القياسي الذي سجلته في عام 2010.

مشاريع جمدت أو توقفت


من جهتها، وقعت شركة «توتال» في يوليو الماضي اتفاقا بقيمة 4.8 مليارات دولار مع الشركة الايرانية NIOC من أجل استغلال حقل الغاز الطبيعي في حقل فارس الجنوبي، كما أبرمت شركة إيرباص عقدا لبيع طهران مئة طائرة، فيما عكفت المجموعة الصيدلانية أيبسان على بناء مصنع لانتاج مضادات السرطان بالشراكة مع مجموعة ايرانية.
غير ان العديد من هذه المشاريع جمد أو تم توقيفه، فشركة ديكاتلون التي اختارت قاعة عرض وسط طهران، تقول إن مئات المحال لم تفتتح والأمر ذاته بالنسبة لأكور، العملاق الفرنسي في مجال الفندقة. الذي لم يستطع اقتحام السوق الايرانية بقوة، ما عدا مشروعي «إيبيز» و«نوفوتال» بالقرب من المطار الدولي في طهران.
وقد وقعت فانسي في يناير 2016 بروتوكول اتفاق لتطوير مطاري مشهد واصفهان، لكن المشروع مجمد إلى الآن.
ترى ما الذي جمد هذه المشاريع؟ هل هو المال أو توقف التدفقات المالية او عودة العقوبات الاميركية؟
لا ترغب البنوك الأوروبية الكبرى والفرنسية على الخصوص في ان تكون محل متابعة اميركية. فكلنا يذكر الغرامة التي فرضتها واشنطن في 2014 على بنك بي أن بي باريبا وقيمتها 8.9 مليارات دولار بعد أن سهّل تعاملات بنكية والتف على العقوبات الأميركية.
ويقول كادر كبير في شركة معالجة نفايات «ما ان تنطلق كلمة إيران حتى يغلق المصرفيون الباب أمامك».

اللائحة السوداء


ومع عودة العقوبات، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، تضاف سلسلة اجراءات إدارية فرضتها واشنطن الى اجراءات أخرى مثل منع التعامل بالدولار مع الاشخاص او المنظمات المسجلة على لائحتها السوداء.
وفي نظر الولايات المتحدة، فإن الحرس الثوري وبعض المؤسسات الدينية المرتبطة به، يملك ما بين 15 و20 في المئة من الاقتصاد، وهو متواجد في قطاعات البناء والنفط والاتصالات.
ويوضح الباحث تيرير كوفيل في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس أن «البيئة الاقتصادية الإيرانية عاتمة لدرجة ان كل المجموعات الفرنسية ستطلب مباركة الادارة الأميركية محاطة بجيش من المحامين».
ويقول مسؤول في شركة فرنسية عملاقة «نحن نمشي على البيض.. حتى قبل توقيع أي بروتوكول اتفاق علينا أن ننفق عشرات الآلاف من اليورو للمحامين المكلفين بالتحقق من جدوى المشروع. تذكرة دخول ايران غالية جدا».
وفي مثل هذه الظروف يتساءل كثيرون عن الاستراتيجية التي ستتبعها الشركات الفرنسية، ففي أكتوبر الماضي وخلال ندوة في لندن، قال الرئيس المدير العام لشركة توتال باتريك بوياني إنه مستعد لمغادرة إيران إن فرض المشرع الأميركي ذلك. وأضاف: «حجم انكشافنا في حدود مليار دولار.. هو مبلغ ضخم ولكنه مقبول بالنسبة إلى مجموعة بحجم مجموعتنا».

تعثر اقتصادي


وفي إيران وحتى قبل الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي، بدا تردد الشركات الاجنبية في الاستثمار مزعجا بالنسبة إلى السلطات، وإن حاول الرئيس حسن روحاني تهدئة الوضع بتأكيده التزام بلاده بالاتفاق النووي، إلا أن الاحتجاجات في الداخل ضد استراتيجيته تفاقمت.
وسيكون للعقوبات الاميركية اثر كبير على النمو، ذلك أن الاقتصاد الايراني يعتمد في 80 في المئة من مداخيله على صادرات النفط.
ويقول كريستوفر دمبيك المسؤول عن الابحاث الاقتصادية في ساكسو بنك «مقارنة بعام 2016، ارتفع انتاج ايران من النفط بمليون برميل يوميا، وقد يتراجع الانتاج بفعل العقوبات الاميركية إلى ما بين 300 و500 الف برميل تقريبا».


ويعاني الاقتصاد الإيراني من تعثر في وقت سيئ جدا تزامن مع ارتفاع حدة الاحتجاجات الشعبية، ففي مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، اندلعت احتجاجات عنيفة مطلع العام الجاري ضد الغلاء.
وتبلغ نسبة البطالة في ايران حاليا نحو 17 في المئة بدل الارقام الرسمية التي تشير الى 11 في المئة، فيما حدّت المضاربة العقارية من الطبقات الوسطى.
ويبين برنار فاجيس: «في العاصمة يصل ايجار شقة على النمط الأوروبي بمساحة 200 متر مربع إلى 5000 يورو شهريا، بينما لا يتعدى متوسط الراتب الشهري 300 يورو».
وبينما يضطر المهندسون الايرانيون إلى ممارسة وظيفتين او ثلاثا للحصول على دخل محترم، تشير الارقام الى أن مبيعات بورش في طهران العام الماضي ارتفعت بشكل كبير.. فلا تزال الفخامة الاوروبية حلما للكثيرين.