إيران .. بين تهديد الخارج ووعيد الداخل
كلمة الاقتصادية

تواجه إيران اليوم، بعد انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية وفرض العقوبات، الوقوع بين مطرقة هذه العقوبات الأمريكية وتداعياتها الكارثية عليها وسندان وعيد الشعب الإيراني في الداخل. ولعل أولى الإشارات على انعكاسات العقوبات عليها جاء باعترافها للأوروبيين بتورطها في دعم الحوثيين في اليمن، واستعدادها لممارسة الضغط عليهم لإيقاف الحرب، فضلا عن انسحاب كبريات الشركات الأوروبية من إيران، وإعلان مصارف كبرى، أبرزها في سويسرا، إيقاف التعامل مع حكومة الولي الفقيه وملاليه وزبانيته وأذرعها الإرهابية. الشيء الأكيد أن حكومة الملالي باعترافها في علاقتها الإجرامية مع الحوثيين في اليمن، ورغم كونه حقيقة ظلت دول الخليج العربية تحذر منه وتؤكد عليه، إلا أن إيران اضطرت إلى ذلك على سبيل المراوغة وإحداث شرخ في التحالف الأمريكي ــ الأوروبي كما يصور لها خيالها المريض بالإرهاب والتطرف، فيما الحقيقة تبقى أن مآل الأوروبيين إلى السير في ركاب أمريكا لاعتبارات استراتيجية ليس بوسع أوروبا رغم محاولة التغطية على جرحها النرجسي، سوى ابتلاع كل هذا اللغط الدبلوماسي لمصلحة الموقف الأمريكي جملة وتفصيلا. تتظاهر إيران بعدم خشيتها من تداعيات الموقف الأمريكي، وبالتلويح بالانسحاب من الاتفاقية ما لم يوفر لها الاتحاد الأوروبي ضمانات مجزية، ويلعب الاتحاد الأوروبي معها لعبة التظاهر هذه بالحديث عن تعويضها بمبالغ للحد من أثر الانسحاب الأمريكي، وكلا الطرفين يدرك تمام الإدراك أنهما ممثلان في حرب طواحين الهواء، وفي الوقت الضائع أيضا. لقد أخذت أنياب العقوبات الأمريكية تثخن الجسد الإيراني وتدميه، وبدا ذلك في تضعضع سعر صرف العملة الإيرانية وبروز الشروخ في الهيكل الاقتصادي، فلن يعني هذا سوى بدايات الغوص في رمال العقوبات المتحركة لحكومة الملالي، الذي لن يهدد قدرتها على الحركة وحسب، بل سيفاقم تهشيم قامتها الإرهابية، وغطرسة تدخلها الغاشم في المنطقة، خصوصا بعد أن تم تصنيف حزب الله اللبناني وأمينه ونائبه وعدد من قياداته وتجاره بوصمة الإرهابي، وبات الحوثيون في اليمن في حالة احتضار، فيما الطرد من العراق وسورية صار قاب قوسين أو أدنى. وإذا ما حاولت إيران، بأي شكل من الأشكال الإصرار على سلوكها، فالولايات المتحدة لن تتردد في التأكيد على أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، بما فيها القوة العسكرية. إذن، فمطرقة التهديدات العقابية ما زالت تهوي وستظل؛ لتهشيم قامة الولي الفقيه وتحطيم أذرعه وأقدامه، وفي المقابل فالولي الفقيه يواجه في الداخل وعيد الشعب الإيراني والانسحاق فوق سندانه، فالبطالة والجوع والمخدرات والجريمة تزلزل الأرض تحت أقدام حكومة الملالي، والعالم يشهد ويسمع إضراب مئات الآلاف من أصحاب الشاحنات التي شلت حركة البضائع في أكثر من 31 مقاطعة، وإلى جانبها إضراب عمال المصانع، والمدرسين والمزارعين ممن لم يتسلموا مرتباتهم حتى الآن، فضلا عن استشراء فساد بين الملالي وضباط وجنود الحرس الثوري والدولة العميقة، وتكدس الثروة في أيدي قلة، بات معها الشعب الإيراني بغالبية فقيرة أو مدقعة وأقلية متنفذة فاحشة الثراء. لقد وصمت حكومة الملالي على مدى السنوات الـ 40 الماضية بالمروق على الشرعية الدولية، وبكونها الراعية الأولى للإرهاب في العالم، وهي اليوم تترنح بين مطرقة العقوبات التي تهددها عالميا بمزيد من الضربات الموجعة، وبين غضب شعبي في الداخل أخذت هزات زلزاله تزعزع الأرض تحت أقدامها. ومع أنه ليس أمام حكومة الملالي سوى الإذعان والرضوخ لتجرع السم ذاته الذي تجرعه الخميني بالتوقيع على قرار وقف حربه على العراق، في حرب الخليج الأولى، فإن العدالة الدولية اليوم لن تقبل بمجرد تجرع السم، على أمل النفاذ بما يحفظ لها شيئا من المكانة، بل إرغامها على مواجهة مصيرها المحتوم مغلولة بيد العدالة الدولية وبيد إرادة شعبها. ولا مفر!