حمد اللحيدان

التاريخ على مر العصور يشير إلى أن الخلافات تحل أغلبها بالحوار بدل الحرب لأن عاقبتها الدمار والخراب وقد التقت على هذا الصعيد أطراف متنافرة بل إن تحالفات كبيرة نشأت بين الأعداء ضد عدو مشترك وخير شاهد على ذلك تحالف الغرب الرأسمالي مع الجانب الشيوعي الاشتراكي ضد النازية وفي الوقت الحالي نرى الحوار المباشر بين الكوريتين وبدء الإعداد للقاء الرئيس الكوري الشمالي مع الرئيس الأميركي في 12 من يونيو الجاري. ليس هذا وحسب بل إن ايران وإسرائيل دخلتا في حوار (وتآمر) مباشر هذه الأيام في الأردن.

إن الحوار المباشر بطبيعة الحال ليس بديلاً للاستعداد العسكري والاستنزاف والمقاطعة بكل الوسائل والسبل لأن تلك من أهم وسائل الضغط التي تجبر الطرف الآخر على القبول بالحلول المطروحة خصوصاً إذا أصبح أمام قوة جبارة كأمر واقع كما أن نتيجة الحوار لن يتم الالتزام بها من قبل الطرف الأقوى وخير شاهد على ذلك عدم التزام إسرائيل بالاتفاقيات التي عقدت في كامب ديفيد أو أوسلو أو وادي عربة في الأردن حيث ضربت إسرائيل بكل ما يتعارض مع أهدافها وطموحاتها عرض الحائط لأنها تعرف أن خصمها ضعيف ولا يستطيع حماية حوزته نتيجة تفوقها الذاتي واعتمادها على دعم قوى كبرى في كل شيء.

من هذه المنطلقات يجدر بدول الخليج التي تملك الآن قدرات عسكرية جبارة أن تستمر في بناء قدراتها الذاتية وأن توطن تلك القدرات في مجالات العدد والعدة والتحكم والسيطرة وأن تحصن تلك القدرات بحيث تصبح بعيدة عن أي هجوم مباغت وفي الوقت نفسه تعمل على مقاطعة واستنزاف إيران في المناطق التي تورطت فيها ذلك أن هذين العاملين كفيلان على المدى الطويل بإثارة الشارع الإيراني من الداخل.

وإذا استشعرت حكومة طهران أن الخيار العسكري أمامها محدود فإنها سوف تذعن وسوف تلتزم بما يتم الاتفاق عليه لأن قوة خصمها تدعمه من ناحية والبدائل الأخرى مثل الحرب ليس في صالحها.

إن الاعتماد على الضغوط الدولية على إيران وكذلك حوارها مع أطراف أخرى في غياب دول الخليج له إرهاصات سلبية عديدة وذلك لأنه يمكن إيران من اللعب على عامل الوقت في سبيل تحقيق مزيد من التسلح ناهيك عن أن الأطراف الأخرى المحاورة لها مصالح آنية ومستقبلية ولذلك فإن مواقفها تكون حبيسة تلك المصالح، كما أن الحكومات والرؤساء في دول الغرب ليسوا ثابتين بل هم في تغير مستمر وخير مثال على ذلك تغير السياسة الأميركية بعد تولي ترمب الرئاسة بدلاً من أوباما وهذا التغير قد يحدث مرة أخرى بعد انتهاء رئاسة ترمب.

وعليه فإن الحوار المباشر مع إيران المدعوم بتفوق عسكري ذاتي جنباً إلى جنب مع الضغوط الدولية هو الحل الأمثل. إن مفاوضات الأطراف الأخرى مثل (5+1) بشأن البرنامج النووي الإيراني أُخذت فيه مصالح إسرائيل ودول الغرب ولم تؤخذ فيه مصالح دول الخليج والدليل أنه لم يدخل في تلك الاتفاقية طلب وقف التسلح الإيراني بكافة أنواعه وأبعاده ولا إيقاف التدخل الايراني السافر في العراق وسورية ولبنان واليمن ودول الخليج ولا إلغاء مبدأ تصدير الثورة. إن المفاوضات التي لا يحضرها من تعنيه نتائجها تكون كارثية عليه.