إدريس لكريني

يحتفي العالم في الخامس والعشرين من شهر مايو/ أيار من كل عام، باليوم العالمي لإفريقيا، وهو التاريخ الذي يوافق إحداث أول منظمة إقليمية في القارة عام 1963، ويتعلق الأمر بمنظمة الوحدة الإفريقية التي ستحلّ في التاسع من شهر يوليو/تموز لعام 2002، ليظهر بعدها الاتحاد الإفريقي.

إنها مناسبة لاستحضار التحولات الكبرى التي شهدتها القارة في مختلف الاتجاهات، حيث راكمت دولها منذ بداية التسعينات من القرن الماضي تجارب واعدة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية، وشهدت مجموعة من الإصلاحات أسهمت في تحقيق الاستقرار والتداول السلمي على السلطة في عدد من الأقطار، وأسهمت في رسم صورة مشرقة عن القارة، بعيداً عن الصور النمطية المرتبطة بالحروب والأمراض والمجاعات والانقلابات، وهو ما كان له الفضل في حدوث تطور على مستوى تصاعد نسب النمّو، وتحسّن في بيئة الاستثمار وتزايد الاهتمام الدولي بالتعاون مع دولها.

كما تشكّل الذكرى أيضاً، مناسبة للوقوف على مجمل الإشكالات والتحديات التي ما فتئت تواجه الدول الإفريقية مجتمعة، سواء تعلّق الأمر بالإشكالات السياسية والأمنية التي تتخبط فيها بعض الدول، كما هو الشأن بالنسبة لبعض دول الساحل والصحراء، أو تنامي حدّة الهجرة السرية تحت ضغط عدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، أو تمدّد الإرهاب في بعض المناطق التي تعيش على وقع التوتر والأزمات، كما هو الأمر بالنسبة لليبيا والصومال.. أو تزايد حدّة التهافت الدولي على هذه القارة العذراء التي تختزن إمكانات مذهلة، وجاذبة للأطماع الخارجية..

تكتسي القارة الإفريقية أهمية دولية كبرى من حيث المساحة، والسكان، والتنوع الثقافي والجغرافي، والثروات المعدنية والطبيعية، الأمر الذي جعلها محط اهتمام العديد من القوى الدولية والإقليمية الكبرى في العقود الأخيرة.

وتتقاسم الدول العربية والإفريقية عناصر ومقومات عدّة تجعل منهما أقرب إلى بعضهما بعضاً، فثلثا سكان العالم العربي أفارقة، والإسلام هو الدين الأول في إفريقيا، كما أن ثلثا إفريقيا عرب، و72 في المئة من مساحة المنطقة العربية تقع في القارة الإفريقية، وتوجد في هذه الأخيرة عشر دول أعضاء في جامعة الدول العربية.. وعلى المستوى الإنساني والاجتماعي، تستقرّ جالية عربية مهمة داخل إفريقيا، فيما توجد جالية وازنة من أقطار إفريقية في عدد من البلدان العربية..

وعلى المستوى الطبيعي، يطبع التنوع والتكامل إمكانات الجانبين من الثروات الطبيعية والمعدنية، علاوة على الامتداد الجغرافي للقارتين الإفريقية والآسيوية.. أما في ما يتعلق بالجوانب الثقافية والحضارية فتمتد العلاقات الإفريقية- العربية إلى فترات زمنية بعيدة أسهم الإسلام في تمتينها وتعميقها، وعلى المستوى الاقتصادي توفّر إفريقيا سوقاً تجارياً واستثمارياً واعداً، في مقابل الإمكانات البشرية والنفطية، للدول العربية، أما سياسياً، فتقدم بعض الدول الإفريقية، كجنوب إفريقيا، تجارب ديمقراطية مشرقة، يمكن أن تفيد الدول العربية.. ويستقر الجانبان في مواقع استراتيجية مهمة كالبحر الأحمر، وقناة السويس، ومضيق جبل طارق، تسمح لها بلعب أدوار وازنة على الصعيد الدولي، كما تواجه الطرفين مخاطر وتحديات مشتركة..

ورغم أن العلاقات العربية - الإفريقية تمتد في عمق التاريخ، وتجد أساسها في مجموعة من الاعتبارات الجغرافية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، حيث حظيت إفريقيا باهتمام عدد كبير من المؤرخين العرب والمسلمين، إلا أن هذه العلاقات لم تصل إلى المستوى المطلوب بالنسبة للجانبين، ولم يكتب لها أن تتطور في العصور الحديثة نتيجة لظروف الاحتلال، غير أن مظاهر التعاون والتنسيق ستتعزّز بين الجانبين نتيجة مجموعة من العوامل، من قبيل تأسيس هيئة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبروز تنسيق بين الطرفين ضمن حركات التحرر الوطني، وإحداث جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية، وحركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجموعة ال77..

وقد زاد من تعميق هذه العلاقات تبنّي الحركات الوطنية في المنطقة العربية قضايا التحرر والمقاومة في عدد من الدول الإفريقية، وتبنّي جامعة الدول العربية لعدد من القضايا الإفريقية العادلة، عبر رفض وإدانة سياسة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وروديسيا.. من جهة، وتأييد منظمة الوحدة الإفريقية من جانبها، لعدد من القضايا العربية العادلة، كما هو الشأن بالنسبة لرفض الاحتلال»الإسرائيلي» للأراضي العربية..

ويشكّل الرصيد التاريخي للعلاقات العربية - الإفريقية المدعوم بمقومات تجسّد التواصل والتقارب، أرضية خصبة لنسج شراكة استراتيجية واعدة قادرة على مواكبة التحولات الدولية الراهنة، وإرساء علاقات وطيدة، في إطار من التنسيق والتكامل الكفيل بدعم التنمية في الأقطار العربية والإفريقية.. 

إن التحديات الكبرى التي تلقي بظلالها القاتمة على دول الجنوب بشكل عام، وعلى المنطقة العربية وإفريقيا على وجه الخصوص، أصبحت تفرض إعمال شراكات، وبلورة تعاون متوازن، وندّي بين الجانبين، بما يستجيب لتطلعات الشعوب، ويخدم المصالح الاستراتيجية للطرفين. وهذا لا يمكن أن يتأتّى إلا عبر الوقوف على الإمكانات والفرص التي يتيحها هذا التعاون، وتجاوز الاقتصار على المجاملات الدبلوماسية الرسمية، وتوجيه المساعدات الإنسانية، إلى إعمال شراكات تقوم على تشبيك العلاقات الاقتصادية وتوحيد المواقف إزاء مختلف القضايا الحيوية التي تهم الجانبين، وتبادل الخبرات والتجارب في مختلف المجالات والميادين، والمساهمة الفاعلة في تدبير المنازعات والأزمات الإفريقية والعربية من قبل الجانبين في إطار وساطات ومساع حميدة بناءة.