رياض نعسان أغا 

أجمع كل المعنيين بالقضية السورية على رفض الحل العسكري، وصرحوا بأن الحل المنشود سياسي فقط، وقدموا بيان جنيف ليرسم رؤية للحل السياسي، وطالبوا بوقف إطلاق النار، وفشلوا بفرضه على النظام الذي لم يأخذ الحل السياسي على محمل الجد طوال سبع سنوات، وإنما استمر بما سماه الحسم العسكري. وتم تعطيل مسار جنيف، وتغيرت الأمور لمصلحة النظام، وتم إشغال المعارضة باتفاقيات وقف إطلاق النار، وتم منعها من الحصول على مضادات الطيران، وسرعان ما توقف الدعم عنها لإجبارها على الرضوخ.

وبعدما خسرت المعارضة العسكرية مواقع مهمة تحت وابل من القصف، بدأ النظام تسريع خطة التهجير القسري من مضايا والزبداني ووادي بردى والمعضمية وداريا وسواها،، وهكذا تابع النظام انتصاراته على الشعب السوري بدعم إيراني وعبر صمت عالمي، حقاً لقد انتصر النظام عبر قتل نحو مليون سوري تقريباً (فلا أحد يعلم كم عدد الجثث التي بقيت مدفونة تحت الأنقاض والركام حيث كان يصعب انتشالها). ولا أحد يعرف العدد الصحيح للمعتقلين ولمن قتلوا تحت التعذيب، وهناك أكثر من مليوني معوق، وعشرة ملايين نازح ومشرد ولاجئ في الداخل وفي الشتات.

بهذا المعنى يمكن للنظام أن يباهي بانتصاراته المتلاحقة، فلم يبق خارج سيطرته سوى حوران ومحافظة درعا، والقنيطرة وريفها، ومحافظات دير الزور والرقة والحسكة وبادية الشام، ومحافظة إدلب وريفي حماه وحلب.

كما تحولت اتفاقيات خفض التصعيد إلى حالات استسلام انتهت بخيار للمعارضة المنهكة، والتي توقف الدعم عنها، بين الاستسلام أو الإبادة أو الهجرة قسراً إلى إدلب والشمال. واليوم يهدد النظام حوران والجنوب السوري وإدلب بهجوم ساحق. وشعبنا المفجوع يترقب نشرات الأخبار التي تحمل تضارب التصريحات، بين الشرط الإسرائيلي بابتعاد إيران عن الجنوب، وبين قبولها ببقاء إيران على مسافة معينة من إسرائيل، وبين رفضها المطلق لبقاء إيران في سوريا، وبين رغبة إسرائيل بأن يعود النظام حامياً لحدودها، وبين رغبتها بابتعاد النظام، وبين الوعود الأميركية بعدم الموافقة على إشعال معركة في الجنوب وإخضاع النظام لاستمرار خفض التصعيد، وبين خوف المعارضة على المدنيين الذين هم الضحايا، وبين إصرار الثوار على الدفاع عن أرضهم وشعبهم في معركة لن تكون متكافئة، وفي الشمال يتساءلون عن حدود الضمانة التركية وعن التهديد اليومي لإدلب من قبل النظام، وهكذا يعيش الشعب حالة مضطربة، وقد ضاعت البوصلة، وضاعت جهود المعارضة السياسية التي تم إهمال هيئتها المفاوضة وائتلافها، و أهمل مسار جنيف وانتقل التفاوض إلى أستانة وسينتقل إلى سوتشي، ولم يفهم أحد بوضوح ما سر الاستدعاء المفاجئ للأسد من قبل بوتين، وما الذي قاله بوتين، مع تكهنات بأن الأمر ربما يتعلق بموضوع الدستور والانتخابات ومضمون ما اتفق عليه الرئيسان بوتين وترامب في لقائهما في فيتنام.

يترقب السوريون حلاً سياسياً يجنب من تبقى منهم في وطنهم دماراً شاملاً، وحرباً مفجعة يستعد لها شرفاء الجنوب الذين يفضلون الموت على ما سيلقونه من الإذلال إذا استسلموا للنظام أو انتصر عليهم، فسوف يفتك بهم عقوداً طويلة، وهذا هو حال الشعب في إدلب، مع وجود أمل و تفاؤل بدور تركي ودولي يجنب إدلب ما يخطط النظام لها، ولكن للأسف لا يوجد أي أمل بوجود حل سياسي يعيد لسوريا الأمن والأمان والاستقرار، ويفتح المجال لعودة اللاجئين والبدء بإعمار سوريا المدمرة، فلن يطمئن أحد إذا بقي هذا النظام الذي دمرها وشرد شعبها حاكماً لها.