فيصل العساف

تهمة تشـــويه المجتمعات التي تلاحق الأعمال الدرامية ليست حصراً على السعودية، فالأصوات المناهضة تتعالى ضد مثيلتها الكويتية، بل حتى المصرية العريقة. يردّ صنّاع الدراما تلك الدعاوى بحجج كثيرة، أبرزها قصور المشاهد عن فهم حقيقة العمل الدرامي وعدم قدرته على الفصل بينه وبين الواقع، ثم يراهنون على المختصين، ضـــاربين عرض الحائط برأي المتلقّي الذي يصفونه في الغالب بـ «البســـيط»، على رغم كونه المستهدف باعتباره المرجّح في ميزان نسب المشاهدة.


هذا الموضوع الذي يأخذ حيزاً كبيراً في حلبات النقاش هذه الأيام، يقود إلى الحديث عن المسافة التي قطعتها الدراما السعودية- تحديداً- من ناحية كونها صناعة ذات أهداف استراتيجية، والتساؤل عن المدى الذي تحقق لجهة استغلالها كواحدة من أهم عناصر القوة الناعمة، التي يمكنها تشكيل الصورة النمطية عن السعودية والسعوديين خارجياً، بما يخدم مسيرة التحوّل والريادة السياسية السعودية على المستوى العربي والعالمي، إذ إن حجم التأثير الذي تستحوذ عليه الدراما يشكل رقماً صعباً في خانة العمل التراكمي المنظم.

مسلسل العاصوف الذي يُعرض على قناة «أم بي سي»، يمثّل واجهة الأعمال الدرامية السعودية هذا العام، لكنه، مع كل الضجيج المصاحب له، لا يصلح سوى أن يكون أنموذجاً للدلالة على تأخُّر الدراما عن مواكبة الخطوات السياسية في إطارها الحالي، ويبدو أن ذلك عائد لكون صنّاعها لم يتمكّنوا بعد من نفض تراكمات الخلافات الفكرية المحلية عنهم، لتأتي المخرجات على شكل ردود أفعال إزاء مرحلة خلت، كان الأولى الانتقال إلى ما بعدها، خصوصاً أن ناصر القصبي- بطل المسلسل- حاز قصب السبق في الحرب الاجتماعية على نظرية الرأي الواحد التي سادت ثم بادت، مواجهاً في سبيل ذلك سهام النقد القاسية التي تعمّدت النيل منه.

من السهل الخروج بنتيجة أن نية «العاصوف» لم تتوجّه صوب الإساءة إلى الماضي، لكن، في المقابل، يمكن مشاهدة الأثر الذي طبعه الماضي القريب في ذهنية المشرفين على العمل، الذين استغرقوا وقتاً أطول من اللازم في أمور ثانوية بقصد إحداث صدمة أصبحت من النوع «القديم» جداً، عفا عليها النهج التجديدي المتسارع على مستوى التلفزيون السعودي.

طالب الزراعة الذي أسهم في غرس بذرة الضحك السعودية، يتطلع إليه السعوديون و «دراماهم» بانتظار فصل آخر من فصول التميُّز، بعيداً من لبس قبعة المحاضر في التاريخ من أجل إثبات وجهة نظر معينة، أشبعت طرحاً.

يمكن القول صراحة إن كثيرين تخلّوا عن القصبي الممثل، وأن قلة هم الذين يساندونه في هذه المرحلة، متكئين على مبدأ: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً! أعتقد أن «الفزعة» أملت عليهم أن يغضوا الطرف عن الإقرار بهشاشة العمل الدرامي الذي طال انتظاره.

القــصبي الذي اســتغرق ثلاثــة عــقود حتى يقرر الانفصال عن شقــيقه في المهنة الممثل عبدالله السدحان، عليه ألا ينــتظر طـــويلاً هذه المرة قبل أن يقـــفز إلى الإبداع من الصـــندوق الآخر الذي يبدو أنه دخله مضطراً، هرباً من «كتمة» الصندوق الذي أغلقته الصــحوة على السعوديين جميعاً ردحاً من الزمن. إن الموهبة الفطرية التي تتلبّس الفنان السعودي الأبرز يمكن أن تغرق في بحر التـــجاذبات ما لم يتـــم تدارك ذلك سريعاً، عن طــريـــق مضــاهاة نجاحات الآخرين والبدء من حيث انتهوا، لا من حيث توقف السعوديون، وإلا فإن القـــصبي الذي يحمل في يده شعلة التغيير على المستوى الدرامي لن يكون الخاسر الوحيد، بل إنه سيشد معه التجربة الفنية السعودية برمتها.