كايل أورتون

انبعثت أخيراً المواقف القائلة إن رؤى ومصالح كل من روسيا وإيران- وهما تدعمان نظام بشار الأسد- متناقضة في سورية تناقضاً يفسح المجال أمام أصحاب القرار في السياسة الغربية للاستفادة منها. وعليه، يترتب على التناقض هذا إمكان العمل مع موسكو، وموقفها أقل حدة ولا يرفض المساومة، للحد من نفوذ إيران- وقوتها مصدر قلق أكبر ويُخشى أن تجر دولًا أخرى في المنطقة إلى حرب أوسع. وهذه الفكرة ليست جديدة ولكنها من بنات الخيال. فروسيا عاجزة- حتى لو عزمت على ذلك- عن كبح جماح إيران- القوة المهيمنة التي توجه دفة حرب قوات النظام على المعارضين.


وحين التقى الأسد بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أيّار (مايو)، قال الأخير: «مع الانتصارات الهامة للجيش السوري في الحرب على الإرهاب، ومع بدء تنشيط العملية السياسية، نُرجح أن تنسحب القوات المسلحة الأجنبية من أراضي الجمهورية العربية السورية». وبعد أيام، نُقل عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، قوله: «لا يمكن أحداً أن يُلزم إيران فعل أي شيء. فالوجود الإيراني يستند الى دعوة الحكومة السورية، وطالما أن الحكومة السورية تريد هذا الوجود، ستواصل إيران مساعدة البلاد».

وخلص كثيرون إلى أن شرخاً كبيراً قد وقع بين موسكو وطهران وحسِبوا أن بوتين يلمح إلى إلزام إيران سحب قواتها البرّية من سورية، ويعد بذلك. وتوصلوا الى الخلاصة هذه بناء على ثلاث معلومات مترابطة ظهرت أخيراً، أولاها، تنسيق تركيا عملياتها في شمال سورية مع روسيا. وبلغ التنسيق مبلغاً حمل بعضهم على استنتاج أن الأسد وإيران ينظران إليه بعين الارتياب والاستياء. وثانياً، شن إسرائيل هجمات كبيرة ومتكررة وغير مسبوقة على البنية التحتية الإيرانية في سورية، بعد يوم من اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع بوتين في التاسع من أيار (مايو). وثالثاً، الأوضاع في درعا. فإثر تطهير دمشق محيطها القريب، يتوقع أن يشن النظام في المستقبل القريب هجوماً على درعا، وبعض المراقبين يرصد التباين بين المقاربة الروسية والإيرانية للمسألة وتوترات.

ولكن حين إلقاء نظرة من كثب إلى الأحوال في سورية وموازين القوى، يستنتج المرء أن هذه النقاط كلها لا تشير إلى خلاف جدي ويعتد به بين إيران وروسيا. وفي كانون الثاني (يناير) المنصرم، بدأت تركيا عملية طرد حزب «العمال الكردستاني» (PKK) من محافظة عفرين. ودعمت روسيا- وكان «الكردستاني» يحسب أنها تضمن أمنه وتحميه- الحملة التركية العسكرية حين أيقنت أنها غير قادرة على وقفها والحؤول دونها. وفي المفاوضات حول المدينة هذه، التزمت روسيا موقفاً متسامحاً من تركيا، في وقت أرسلت إيران ميليشياتها للقتال إلى جانب «حزب العمال الكردستاني». ومنذ سقوط عفرين بيد تركيا في آذار (مارس) الماضي، يشعر «الكردستاني»، ولأسباب مفهومة، بالمرارة تجاه روسيا. ولذا، تقرّب أكثر فأكثر من الأميركيين، من طريق «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) التي يقودها الأكراد. ومع ذلك، لم يقطع «الكردستاني» علاقاته الوطيدة تاريخياً مع القوى المؤيدة للأسد. ومذّاك يسعى «حزب العمال الكردستاني» الى الموازنة بين علاقاته بروسيا وإيران من دون أن يغلق الباب وراءه في المعسكر المؤيد الأسد.

أما في إدلب، فالأمور أكثر وضوحاً. وبعد أيام على إنشاء تركيا آخر مركز مراقبة تابع لها في 16 أيّار (مايو)- وهذا حلقة من حلقات اتفاقات اجتماع «آستانة» التاسع- سارع الروس والقوات الإيرانية، في 23 أيار الى تطويق مواقع انتشار الأتراك، وتشييد 17 حاجزاً عسكرياً ثابتاً. وهذا بعد أيام من تلميح موسكو إلى أنها ستدفع إيران للخروج من سورية، على نحو ما يلاحظ توني بدران، وهو باحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات. وتساءل مؤيدو محور الأسد – إيران، وهم مصابون بالارتياب وجنون العظمة، في العلن حول احتمال التواطؤ بين موسكو وتل أبيب في الضربات الإسرائيلية التي جرت في 10 أيار على المواقع الإيرانية في سورية. ولكن لا دليل على مثل هذا التواطؤ. وكل ما أظهره الإسرائيليون وأماطوا عنه اللثام هو عجز روسيا عن الدفاع عن حليفها- وهذه حقيقة غير طارئة ولا جديدة. ويضيف بدران أن الناس غالباً ما يفترضون وجود قوة روسية تسيطر على مقاليد الأمور في سورية»، ويحسبون أن موسكو هي من يطلق يد «قوى خارجية» مثل إسرائيل وأميركا، فهي من تجيز لهذه القوات حرية التجول فوق الأجواء السورية. ولكن واقع الحال يشير إلى خلاف ذلك. فـ «موقف الروس مكشوف وهشّ وهذا ما لا يخفاهم». وينجم عن سوء تفسير هذه الديناميات بين إيران وروسيا وقدرات روسيا المحدودة، استنتاجات خاطئة على غرار حسبان أن القدرات الروسية مطلقة- في وقت أنها محدودة- وأن غض موسكو النظر عن ضربات إسرائيل، هما مرآة تباين سياسي بينهما. ولكن الروس يقرون بحدود قدراتهم ويسعون الى تجاوزها، كما يفعل الإيرانيون، ويتكيفون معها من أجل بلوغ الهدف المشترك: تعزيز النظام السوري.

وفي درعا، يعاني متمردو الجبهة الجنوبية الذين يحتلون المنطقة الحدودية مع إسرائيل والأردن، الإحباط ونقص الموارد. ويرجح أن شوكتهم سرعان ما ستكسر إذا ما تعرضوا للهجوم. وقد يؤدي الهجوم على درعا إلى موجة لاجئين إلى الأردن تساهم في زعزعة استقرار حكومة صديقة للغرب. وهذا ما يصب في مصلحة إيران. ولكن ضعف قوات نظام الأسد البرية واقع لا ينكر، شأن احتمال أن يترتب على الهجوم رد إسرائيلي مدمر. لذا تحاول روسيا تكتيكاً آخر.

والرسالة التي وجهها بوتين الى إسرائيل مفادها «إنه يريد فحسب بسط سلطة الحكومة السورية في جنوب غرب سورية»، وتعليقات سوتشي تندرج في هذا الإطار. وبغض النظر عما إذا كانت درعا ستحتل بالقوة أو تُقضم وتُضم من طريق اتفاقات «المصالحة»، فكرة أن روسيا يسعها منع «حزب الله» أو أي أدوات إيرانية أخرى من التوغل في هذه المنطقة حين سقوطها، هي فكرة هشة ولا تقوم لها قائمة، يقول بدران.

والأردنيون متروكون لمصيرهم في مواجهة التحالف المؤيد للأسد، والروس يسعون الى استمالتهم منذ مدة طويلة، وأبرموا اتفاق تنسيق عسكري معم. ويرجح أن يوافق الأردن على المخطط الروسي [السماح لقوات الأسد ببسط نفوذهم في هذه المنطقة]، لعدد من الأسباب، منها إعادة فتح معبر نسيب واستئناف التجارة. والفوارق بين روسيا وإيران حول درعا هي من طينة الفوارق الشكلية بين «الشرطي الجيد [الصديق] - والشرطي السيئ [الخصم]»، ويرجح أن تتبادلا الأدوار وقت الحاجة. وهما على الحال هذه منذ مدة. وخير دليل على ما أسوق هو زيارة المبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف الأسد في 24 أيّار في دمشق. فهو أوضح وجهة نظر موسكو، وقال إن الأسد هو صاحب «القرار السيادي» وطالما أنه يرى حاجة لبقاء قوات أجنبية على الأراضي السورية، لا مناص من بقائهم.

* محلل سياسي، عن موقع «أراب ويكلي»، 3/6/2018، إعداد علي شرف الدين