نـوزاد حـســن

اظن ان مزاجي يشبه كثيرا حكاية هذا النهر الذي صرنا نتحدث عن جفافه، وعن موجة عطش قد تضربنا هذا الصيف.هذا الماء المتراقص الترابي اللون الذي نقف على كورنيشه بين حين واخر لنتامله بحزن كبير هو صورة طبق الاصل لمزاجي الملتهب المكون من تراب يرطبه ماء دجلة المهدد بالموت.بكلمة:احس باني مهدد ايضا ولا اعرف كيف انسى محنتي كانسان يرتبط بهذه الارض وبهذا النهر.

طبقا لنظرية العشق الوطني فان بغداد كمدينة تمزج روح ساكنيها بتوتر غريب يتحرك كطفل في احشاء روح البغادة جميعا.ما هو هذا التوتر.؟انه ذلك الفرح البريء الذي يحس به اي بغدادي حين تمطر السماء.لماذا؟لان دجلة سترتوي وتكتسب من جديد لونها الازرق.وحين يقترب الشتاء من نهايته تشعر روح البغدادي بحزن عميق لان الصيف سيتلاعب بهيبة هذا النهر الجميل.اضف الى ذلك الوجع الذي يسيطر على ذائقتي حين اشاهد زهرة النيل تقتل ما في اعماق دجلة من اسماك.

حين تصعد بي السيارة جسر الشهداء اتطلع كطفل لرؤية دجلة كأني اخشى على رحيلها.وحين اتاكد من اتساعها اطمئن.لكن بعض الجزر الترابية الممتدة فيها هنا وهناك تزعجني، وتثير في داخلي شكا لا اسيطر عليه.انا الذي تربيت على خوف غريزي من اي سلوك يؤذي شبرا واحدا في هذه المدينة،وفي البلد كله.
لذا لن يكون حديث سد "اليسو" حديثا عابرا بالنسبة الينا كمواطنين كبرنا في ظل تاريخ هذه المدينة.هل يعقل ان تتحول تلك الامواج الفضية التي تعكس ضوء شمس قاهرة الى ما يشبه ساقية تقترب من نهايتها.هذا المصير لن يتخيله احد، ولا يمكن ان يقع.
من بعض اوراق الاتفاقيات تنبع روافد نهرية تغذي دجلة بماء عذب.لكن المفاوضات بصدد الحصة المائية التي تطلقها تركيا تحتاج موقفا رسميا حاسما.ويبدو ان موقف السفير التركي في تغريدة له كان موقفا ايجابيا لانه اعتبر نفسه صديقا للعراقيين.

الاتراك دولة منبع،والماء الان بدأ يتسرب الى كرش "اليسو"،كما تسرب في عام 1990 الماء الى سد اتاتورك الذي عرض الفرات الى الجفاف.وهنا لا بد من وقفة حقيقية تقوم بها الحكومة العراقية.ومن خلال التفاهمات يمكن ايجاد صيغة ترضي الطرفين.وقد اشار بعض المراقبين الى ان عقد اية اتفاقيات ستراتيجية مع تركيا لا بد ان يكون لملف المياه حضور فيه.وهذا ضمان للبلد على المستقبل البعيد.
ان الماء سيكون في الاعوام القادمة قدرا مزعجا لبعض الدول من بينها سوريا مصر والعراق.هذا القدر يتطلب وعيا قويا من قبل الحكومة ومن المواطنين ان اقتضى الامر ذلك.ولنا ان نتخيل كم سيكون الضرر كبيرا لو تناقصت حصة العراق المائية لى النصف مثلا او اكثر.هذا يعني ان هناك مشكلة ستدمر كل شيء اجتماعيا واقتصدايا وزراعيا.وستكون هناك موجة جديدة من الهجرة باسم جديد هو هجرة العطش.