سلمان الدوسري

في الوقت الذي تحدت فيه إيران المجتمع الدولي بإعلان جاهزيتها لتخصيب اليورانيوم، ظهرت أدلة جديدة على ارتباط النظام الإيراني بهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، هذه المرة باعتراف النظام نفسه، بحسب معاون السلطة القضائية الإيرانية محمد جواد لاريجاني، الذي أقر بأن بلاده سهلت مرور عناصر «القاعدة» الذين نفذوا هجمات سبتمبر.

هذان الموقفان، وحدهما، كفيلان بصفع كل شركاء طهران من العواصم الأوروبية التي تقاتل للإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني الذي أصبح ميتاً منذ الانسحاب الأميركي، وعلى الرغم من أن الإعلان الإيراني بجاهزيتها للتخصيب كان يتوقع معه أن يظهر استياء الأوروبيين وهم من يحاولون إنقاذ الاتفاق وحماية شركاتهم من العقوبات الأميركية، فإنهم غضوا الطرف عن هذا كله كأنه لم يكن، كما عبر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بقوله إن بلاده «تعتقد إلى جانب فرنسا وألمانيا بأن اتفاق إيران النووي هو أفضل سبيل لضمان مستقبل يسوده الأمن والأمان في المنطقة»، وهي شهادة حسن سير وسلوك تعين إيران على المضي في مشروعها التخريبي تحت أنظار العالم.


لنعُد إلى الاعتراف الإيراني الخطير الذي جاء على لسان محمد جواد، بإثبات أن بلاده تصرفت كدولة راعية لانتقال الإرهابيين، باعتباره دليلاً آخر على هشاشة مواقف كل الدول الخمس الأخرى المتشبثة بالاتفاق النووي، والتي تصر على أن ما تفعله إيران خارج نطاق الاتفاق لا يبرر ضرورة إلغائه أو حتى تعديله، وهذه طامة كبرى وفيها تناقض كبير وضرب لمصداقية السياسة الخارجية لأي دولة، فأكبر حدث إرهابي في القرن الحادي والعشرين نتج عنه شن حربين في أفغانستان والعراق قدرت تكاليفهما بستة تريليونات دولار، ترتبط به دولة يتم الدفاع عنها وعن مواقفها بشكل لا يصدق، ثم يعتقد أنها فعلاً قد تصبح دولة معتدلة وتسعى لأمن المنطقة واستقرارها، أي استقرار يأتي من خلف نظام يعترف بأن تحركات منفذي هجمات سبتمبر على أراضيه وإقامتهم وتنقلاتهم وسفرهم تمت تحت إشراف مخابراته بشكل كامل، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الاعتراف الإيراني الرسمي يأتي متوافقاً مع ما كشفته وثائق قضائية لدى قاضي محكمة نيويورك الفيدرالية، بأن إيران قامت بتسهيل انتقال عملاء «القاعدة» إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، وهو ما كان ضرورياً لنجاح عملية الحادي عشر من سبتمبر. وبينت الوثائق أن عماد مغنية (أحد قادة «حزب الله» اللبناني) زار المنفذين في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000 ونسق سفرهم إلى إيران بجوازات سفر جديدة لتأمينهم قبل تنفيذ العمليات. كما أثبتت الوثائق أن الحكومة الإيرانية أصدرت أوامر إلى مراقبي حدودها بعدم وضع أختام مبينة على جوازات سفر المنفذين، لتسهيل عمليات تنقلهم، إن لم تكن كل هذه أدلة دامغة بثبوت الإرهاب الرسمي للنظام الإيراني، فأي أدلة ننتظر؟!
مع كل التعنت الإيراني والأدلة القطعية الخطيرة المتتالية بأن النظام يدعم الإرهاب من كل زواياه، فإن كل ذلك يبدو بالنسبة للأوروبيين ليس أكثر من إلقاء حجر في بحيرة دون أن يحدث أي أثر، ومن الواضح أن العواصم الأوروبية، بخلاف ما تقوله، لا تهتم كثيراً باحتمال وصول إيران إلى العتبة النووية، بقدر ما يقلقها حقيقة سيناريو تخيلي بشأن حدوث فوضى أكبر في المنطقة إذا انهار الاتفاق النووي، ومن ثم تكون أوروبا الهدف الأول لأي أزمة لجوء أو عمليات إرهابية محتملة، أما أن تخصب إيران اليورانيوم وتصل بنجاح إلى مشروعها النووي العسكري، فهذا لا يهم العواصم الأوروبية إطلاقاً وربما لا تراه خطراً حقيقياً، وحتى لو اعترفت إيران ألف مرة بالإرهاب، فأيضاً لا يقلق الأوروبيون من ذلك، ما دام يرون أنهم بعيــدون عن ذلك الإرهاب وفــي مأمن منه.