محمد صلاح

يكفي النظر إلى رد فعل الدوحة والمنصات الإعلامية التي تنفق عليها تجاه جهود المملكة العربية السعودية لإعانة الأردن على تخطي الأزمة الاقتصادية، لتدرك حجم غضب محركي الربيع العربي وداعمي الفوضى وموزعي الخراب على العالم العربي. عليك أن تطالع مواقف رموز «الإخوان المسلمين»، سواء المقيمين في قطر أو تركيا أو أي دولة أخرى، من دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الاجتماع الرباعي في مكة المكرمة لتدرك إلى أي مدى صار هذا التنظيم يرتبط وجوده بالخراب والدمار ودماء الشعوب العربية.

يخوض الربيع العربي معركته الأخيرة و «يستقتل» بهدف العودة مجدداً ليضرب المنطقة العربية، فحشد كل صناعه ومؤيديه وداعميه ومتآمريه، وقد جهزوا أدواتهم وأسلحتهم ومنصاتهم الإعلامية لتسخين الأجواء وصب مزيد من الزيت على نار الغضب والاحتجاج، وتحريض البسطاء وخداعهم بالرخاء الموعود. اختار مخططو الفوضى ومحركو الفتن ومحترفو المؤامرات أن يكون الأردن مدخلاً إلى فصل جديد لربيع آخر يضرب ويخرب ويحطم ويفتت، بينما بقايا وآثار كوارث الثورات والاحتجاجات ما زالت تدور في دول أخرى، ومشاهد خيام الإيواء ورماد الحرائق لم تختف بعد. إنه «الكتالوغ» نفسه والمفردات ذاتها تعود من جديد، بينما يخشى من مروا بالتجربة على الأردن ويخافون على مصيره ويتمنون ألا يتعرض لضرر بأيدي أبنائه، أو أن يدخل أتون صراعات وإرهاب وخراب. المصريون مثلاً نالوا خبرة واسعة في التعامل مع هكذا أحداث ومؤامرات، وعاشوا تجربة مؤلمة ما زالت مصر تدفع ثمنها حتى الآن، ويخشون على الأردن من المؤامرات الخارجية وطموحات «الإخوان». انتصر الشعب المصري على مخططات الفوضى ومؤامرات التقسيم حين ثار ضد حكم «الإخوان المسلمين» وخلع محمد مرسي عن المقعد الرئاسي، فتحصنت دول أخرى ونجت بعدما كانت عرضة للمخاطر، لكن معاول التحريض ظلت تعمل ومنصات الإعلام بقيت تبث السموم وتطلقها من الدوحة واسطنبول ولندن، وخلايا «الإخوان» المتسرطنة في مفاصل دول وجهات وأجهزة استخبارات ظلت تحرض لعل الفوضى تعود ومعها السلطة!!

أدرك المصريون مذاق الفوضى المر حين مر الربيع العربي فوق بلدهم، ولكنهم نجوا من خرابه وكوارثه ويتحسبون من مؤامرات مستمرة يقف خلفها دائماً «الإخوان المسلمون» لإشاعة مناخ يسمح من جديد للجماعة بالقفز على الحكم وامتلاك السلطة. يتحمل المصريون تبعات برنامج صعب للإصلاح الاقتصادي من دون اضطرابات أو احتجاجات حتى لا يهيئوا مناخاً يستثمره «الإخوان» في التحريض والتخريب.

اللافت أن الاحتجاجات ضد قانون ضريبة الدخل في الأردن تلقفها معارضون ونشطاء مصريون في محاولة لتحريك الشارع، بالتزامن مع قرارات مرتقبة لتقليص الدعم المفروض على الطاقة يتوقع صدورها الشهر الجاري. ورغم أن تلك القرارات لن تكون مفاجئة لكونها تأتي ضمن خطة حكومية معلنة لرفع دعم الطاقة تدريجاً، لكن هناك دائماً «الإخوان» والنشطاء ومن يتحينون الفرصة لتحريك الاحتجاجات نحو الفوضى والخراب. ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً جراء الأوضاع الإقليمية المضطربة وتفشي الإرهاب، فتوقف تصدير الغاز المصري إلى الأردن بسبب الإرهاب في سيناء راكم خسائره، فضلاً عن توتر الأوضاع على الحدود، وتحمل فاتورة باهظة جراء حركة النزوح، أما مصر فتستنزف موازنتها يومياً في الحرب على الإرهاب، وتتراجع فيها معدلات الاستثمار جراء الاضطرابات والفوضى التي استمرت سنوات، وتتدهور موارد السياحة بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2015، فضلاً عن اضطراب الأوضاع في ليبيا وعودة مئات الآلاف من العمال المصريين إلى بلدهم، ولولا مشاريع قومية عملاقة لأضيفوا إلى ملايين العاطلين. تلك الظروف دفعت الدولتين إلى إجراءات اقتصادية وصفت في مصر بـ «العلاج المر»، لكن ليس أمام الدولتين سوى خيار واحد لمعالجة أخطاء الماضي وتحقيق الإصلاح الاقتصادي أو الدخول في مواجهة المجهول.


لا يوجد لدى المصريين قدرة أو حتى رغبة في التظاهر والاحتجاج من جديد بالنظر إلى التجربة التي مروا بها في السنوات الأخيرة والتي سببت تباطؤاً اقتصادياً لمسه كل مواطن، وحجم المعارضة الحقيقية لدى الشارع ضعيف وفاتر، والنشطاء السياسيون لم يعد لهم تأثير في حركة المجتمع، والناس انصرفوا عن الشعارات وأدركوا أن ثمن الفوضى أفدح بكثير من الثمن الذي يدفعونه لتحمل قرارات اقتصادية صعبة، أو آثار إصلاح مالي واجتماعي وسياسي، ولذلك احتشدوا من أجل مواجهة الإرهاب وعلاج آثار تسرطن «الإخوان» في المجتمع لسنوات. فشل «الإخوان» والجهات والدول التي تدعمهم في إعادة الفوضى والخراب مرة أخرى في مصر، لكنهم يعيدون المحاولة الآن في الأردن.