عبدالله بشارة

 تجوّل الأمير سلطان بن سعد بن خالد آل سعود، سفير المملكة لدى الكويت، في معظم مناطق الكويت زائراً عدداً كبيراً من الديوانيات، حاملاً معه جوهر العلاقات بين البلدين، ومعبّراً عن الروح التي تتميز بها هذه العلاقات، مؤجّجاً كثيراً من أشواق الترحيب بشعور من الارتياح من مستقبليه، وقد كنت أحد المرحّبين بزيارته إلى ديوان البرجس في الشويخ في منتصف الشهر الفضيل، وسعدت جدّاً بأريحيته التي تتولّد من تلقائية التصرّف وصدق المشاعر، خاصة مع جولته في «المباركية»، التي استحسن مناخها واستلطف اختلاط بساطة المكان مع عراقة الزمان.

اختارت المملكة أحد أبناء الأسرة الواعي للمخزون في العلاقات بين البلدين، والقارئ لتاريخ هذه العلاقات، والواقف على الحبال التي شبكت الطرفين في مصير واحد، وربطتهما بدوام الانسجام عبر قناة مباشرة يديرها القائدان في حوارات شاملة عن هموم البيتين.

وأقف عند ثلاث محطات، وأسجلها بولاء للدين، الذي نحمله لقائد المملكة ولبلده ولشعبه ولإدارته لهذه المحطات التي اخترتها من سجل مجيد.
ولن أتحدث عن استقرار الإمام عبدالعزيز بن سعود وعائلته في الكويت، ودور الاستقرار في إطلاق ملحمة الترابط، فقد دوّن المؤرخون تلك الحقبة، وإنما أبدأ بما ذكره سير ريدربولارد ــــ Sir Reader Bullard، قنصل بريطانيا في جدة عام 1938 في مذكراته عن ابن سعود، حيث يسجل أنه تلقى استدعاء للسفر إلى الرياض، لمقابلة الملك عبدالعزيز بن سعود، وتوجه إلى هناك، واستمع من الملك مباشرة إلى تحذير يطالب فيه بريطانيا بأن توقف تحرّشات العراق ضد الكويت، ويؤكد تحالفه مع الشيخ أحمد الجابر حاكم الكويت.
كانت أحداث 1938 تؤرّق الكويت، آنذاك، وكان الملك عبدالعزيز يتابع بقلق الوقائع داخل مدينة الكويت.
ولم تتوقع بريطانيا، التي كانت مؤتمنة على حماية الكويت، من مشاغبات العراق.
وتتجدد أطماع حكام العراق مع الثورة العراقية عام 1958، استخلص الفريق عبدالكريم قاسم من الوضع المضطرب أن الادعاءات في الكويت ستقوي مركزه المهتز، لا سيما بين الوحدويين العروبيين والشيوعيين، وفي أزمة 1961، كان في صدارة المدافعين عن الكويت المرحوم الملك سعود بن عبدالعزيز، الذي تبنّى المبادرة الكويتية للانضمام إلى الجامعة العربية بعد إعلان الاستقلال بيومين، وبعد ادعاءات قاسم أرسل ألف مقاتل من الجيش السعودي، بقيادة الفريق عبدالله العيسى، بأوامر لإطلاق النار ضد أي معتد على الكويت، وقبل أن تتخذ الجامعة العربية قرارها بإرسال قوات عربية رمزية لتحل مكان القوة البريطانية، كما تشرح البرقيات المتبادلة بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك سعود حرصه على قبول الكويت في الجامعة العربية، مع إبراز تضايقه من التأجيلات التي مر بها طلب الكويت، والذي استغرق شهراً من المساومات، وكان الملك سعود واضحاً في برقياته، وحريصاً على سمعة الكويت وإدخالها الجامعة.
كما كان واعياً لاحتمالات المجاملات لمصلحة العراق، وكان المندوب السعودي في الجامعة يتلقّى التعليمات بمعارضة التأجيل، قصة الكويت مع الجامعة العربية حالة مثيرة، سجلتها شخصياً في كتاب يشرحها، اسمه «حروب الكويت الدبلوماسية»، دوّنت ما تم نشره من الأرشيف البريطاني، وما أصدرته الكويت من كتيبات.
كان انقلاب 1958 مأساة على العراق وعلى الكويت وعلى العرب، لكن المغفور له الشيخ عبدالله السالم أودع ثقته في شخصين، الملك سعود والرئيس عبدالناصر، الأول شريك صادق ومضحٍّ، والثاني ناصح وفق مرئياته، كان شديداً في معارضته لادعاءات قاسم، ومارس نفس الشدة في إصراره على سحب القوات البريطانية من الكويت، ولجأ الشيخ عبدالله السالم إلى حل عربي سياسي معنوي، لعله يكون رادعاً، كل ذلك بالتنسيق مع الملك سعود.
كان الشيخ عبدالله السالم، بحسه المتوارث، يرى في المملكة السند الدائم، لم يكن مأخوذاً بالشعارات العروبية، كان متابعاً وبراغماتياً، أتذكر مرة أخذت ملفات، حيث أمرني سمو الأمير، حينما كان وزيراً للخارجية، أن أضعها أمام الشيخ عبدالله، كان ذلك في بداية عام 1965 وبعد اطلاعه قال: «نحن بحاجة إلى الانكليز، ولا ينبغي تجاهل هذا الواقع». كان الهاجس الأمني يؤرّقه وأثبتت الأيام أنه على صواب.
ظلت العلاقات راسخة مع الملك فيصل، مع ثقته بمساعي الشيخ صباح الأحمد، وزير خارجية الكويت، الذي كان متنقلاً بين الرياض وجدة والقاهرة لإيجاد مخرج لمأساة اليمن، ولم تكن للملك فيصل شروط تعجيزية، وإنما كان يصدّ وبصلابة محاولات إضعاف جبهته الجنوبية، والمهم أن الرئيس عبدالناصر لم يكن في وضع سياسي يتخلّى فيه عن اليمن، بعد جرح الانفصال وتراجع هيبة ثورته، وظل الوضع إلى كارثة 1967.
كان الملك خالد حاضراً في أبوظبي في القمة التاريخية، التي وقعت على قيام مجلس التعاون في 25 مايو 1981، شاهدته لأول مرة في حياتي، وأبهرني بجمال طلعته وهيبته، ولا أنسى الكلمات التي وجهها لي قائلاً «أنت بشارة وشغلك بشارة». وسار المجلس باحتضان الملك فهد لمسيرته، وتوطد التواصل بين المرحوم الملك فهد والمرحوم الشيخ جابر الأحمد، مستضيئاً بالتراكم الأخوي بين البلدين.
حدث الغزو، وحمل الملك فهد مسؤولية تحرير الكويت، فسخّر كل شيء للتحرير، من دون ضيق، مردداً أن الشيخ جابر أميرنا في المملكة، مثل ما هو في الكويت، وصدق في التزامه وإيمانه.
وحصيلة لكل ما سبق، صاغ الواقع الحالي الشراكة السعودية ــــــ الكويتية التي نعيشها، والتي تتغذى على خصوصيات تاريخية، مطعمة بجسارة سعودية للتحرير، مسنودة بجغرافيا سعودية، هاجر منها معظم أبناء شعب الكويت.
هذا الواقع يعيشه الأمير السفير سلطان بن خالد آل سعود، وفيه يقف على التماثل التام بين البلدين، فرسم التاريخ بأن يتشكّل منهما وطن واحد.
نحيي الأمير السفير، وفي اختياره رسالة تعنينا في هذا البلد، ونفهمها جيداً.