عواجي النعمي

مع عرض مسلسل العاصوف على شاشة الـ mbc خلال شهر رمضان، انقسم المتابعون إلى فئتين، إحداهما بدأت تهاجم المسلسل منذ الحلقة الأولى بأنه يدعو إلى الزنا والاختلاط والفجور، والفئة الأخرى تشيد بهذا المسلسل وأن المجتمع كان يعيش أفضل عصوره وأوج نهضته قبل تغلغل الصحوة. وكل فئة ترى في الفئة الأخرى العداء والتأخر والرجعية والتقليد الأعمى وتفتت المجتمع.... الخ. ولا ندري أي مستقبل سيكون مع هذا التناحر وعدم التقبل للرأي الآخر.

النقد الهادف لأي مرحلة زمنية هو الذي يقوم على تقييم الواقع وذكر المحاسن وسرد المعضلات وكيفية إيجاد الحلول لتلك المشاكل على شكل أفكار جديدة أو توجيهات سديدة. وأعظم ما يواجهه مجتمعنا هو التعصب للرأي وللموروث، بالإضافة إلى التقليد الأعمى لثقافات الآخرين، وترتب على ذلك أن ننهج إلى إخفاء العيوب دون تقبل لنقد أو مناقشة الواقع حتى وإن كان غير مرض عنه. إن الثقافة النقدية لا تستطيع العيش في هذه البيئة المتناحرة، فالنقد الهادف لا بد وأن يكون عقلانيا ومنطقيا ومتحررا من الأغلال والقيود.

ثقافة النقد لن تتطور إلا من خلال الانفتاح على الآخرين وتقبل الرأي الآخر، كذلك فإن العقلية النقدية عليها أن تتكلم عن الأمل والمستقبل ولا تظل حبيسة الحاضر أو التاريخ. فالنقد الهادف هو القلب النابض الذي يجعل من كل أمّة أُمّة قادرة على اللحاق بركب النهضة والتقدم. وعندما نتكلم عن ثقافة النقد فنحن لا نتحدث عن الثقافة التي تنتقد من أجل الانتقاد لتمارس نوعا من التأثير السلبي على المجتمع ومكوناته، فمفردات الدواعش والليبرالية وعلماء الحكام والمنحلين خلقيا (عن الطرف الآخر) لم تقدم شيئا بل زادت الأمور تعقيدا، وانقسم المجتمع إلى فئات متناحرة فكريا وثقافيا.. إن الثقافة النقدية التي نريدها هي تلك الثقافة التي تُبنى على الإحساس بالمسؤولية المجتمعية وحب الوطن. فالثقافة النقدية السليمة هي التي تتمتع برؤية واضحة لا يشوبها الغموض، فالغموض يعني نقص المعرفة وقصور الإدراك بواقع المجتمع، وهذا يتطلب الاهتمام بلغة الخطاب والرواية والسرد وانتقاء الكلمات عند مخاطبة طبقات المجتمع. ولعل من أهم ملامح الثقافة النقدية الناضجة البعد عن التلاعب بالعواطف واستخدام المؤثرات الدينية والقبلية والاجتماعية، وفوضى نقل الثقافات الأخرى لفرض الرأي والفكرة.


وأخيرا تاريخ ما قبل وبعد الصحوة لم يكن مثاليا أو كارثيا في كل فتراته كما يعتقد البعض، فلكل حقبة مجتمعية مزاياها وأخطاؤها، ومن الظلم أن نقضي ما تبقى من أعمارنا في سرد تلك المزايا والأخطاء وننشغل عن مستقبل جميل هو ملك لأبنائنا وأحفادنا. ولعلنا نذكّر هؤلاء المتنافرين بأن رؤية 2030 ارتكزت على ثلاثة محاور رئيسية، وهي مجتمع حيوي بقيمه الراسخة واقتصاد مزدهر بتنافسية جاذبة ووطن طموح بمواطنة مسؤولة.