علي نون

 على طريقة والدها الراحل الشيخ هاشمي رفسنجاني، تطلق كريمته «فائزة» شهادة خلاّبة من داخل إيران في شأن «أسباب» مشاكل إيران! والسياسات التي أوصلت الوضع فيها إلى ما وصل إليه من تردٍّ شامل ولا قعر له!

السيدة المسموعة الكلمة، قالت في إفطار رمضاني في طهران بالأمس، إن «المشاكل التي نعاني منها سببها السياسات الخاطئة التي نتّبعها في سوريا واليمن (...) وإن حكومتنا تحاول التستر على أخطائها من خلال إلقاء اللوم على دول مثل السعودية والولايات المتحدة (...) وإن إيران تدفع ثمناً باهظاً لتدخّلها في دول المنطقة وتهدر الثروات الوطنية ومن ثمَّ تخرج خالية الوفاض».. ثم تستنتج، ما سبق للرئيس حسن روحاني بنفسه أن استنتجه منذ فترة وجيزة، من أن «السياسات الحالية ستقود النظام إلى السقوط».

الفارق بين خلاصاتها وخلاصات رئيس الجمهورية يطال الشكل وليس المضمون: هي اعتمدت الخفر في توقّع المآلات الأخيرة حيث «سقوط النظام»، فيما هو راح أبعد من ذلك بكثير عندما نبّه «المرشد» من مصير مشابه لمصير الشاه محمود رضا بهلوي!

وهذا ليس أي كلام! ولا تهويمات هواة! ولا قراءات كيدية! ولا يمكن وصم أصحابه بالارتهان للخارج! ولا بـ«التآمر» على «الثورة»! ولا بعضوية نادي «الاستكبار العالمي» أو غير ذلك من اتهامات مسفّة تطال الآخرين و«الأغيار» والضحايا الكثر لجموح إيران التخريبي في طول بلاد العرب والمسلمين وعرضها!

والمفارقة التي تخصّنا في هذا المقام، (وشأن إيران يخصّنا في العموم حتى غصباً عنا!)، أن كلام السيدة رفسنجاني يأتي بعد أيام معدودة على خروج الأمين العام لـِ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لمناسبة «يوم القدس» بمطالعة دفاعية شاملة مألوفة وعادية وطبيعية عن إيران وسياساتها، لكنه هذه المرّة أضاف عليها خلاصة مفادها تقريع وتسفيه «المراهنين على سقوط النظام» الإيراني، «مطمئناً» إيّاهم بأن ذلك لن يحصل!

وفرادة هذه المفارقة تستحق لفتة سريعة: مجرّد استحضاره مفردة «سقوط النظام» ولو من باب المطاحنة النظرية تعني أن الأمر راهن! أو أن الاحتمال مطروح! وإن الكلام في ذلك ليس شوطة خارج النصّ! خصوصاً (وخصوصاً جداً) أن صاحب الكلام، أي السيد نصرالله، يقود منذ سنوات طلائع دعاة «الثورة» الإيرانية القابضين على يقين «بسقوط» أعدائها، واحداً تلوَ الآخر! ونظاماً تلوَ نظام! وكياناً تلوَ كيان.. إلخ!

كلام السيدة رفسنجاني، وقبلها كلام الشيخ الرئيس روحاني، وقبلهما ومثلهما كُثُر داخل إيران ونظامها يجعل ذلك اليقين ولّاد احتمالات خطيرة: إذا كانت عدّة «الثورة» هي مقاتلة «أعدائها» في الخارج لإسقاطهم قبل إسقاطها، فإن هذه العدّة صالحة للاستخدام الداخلي أيضاً! ولن يتردّد أصحاب الشأن في «مقاتلة» من يصنفونه في تأويلهم اليقيني في خانة «المراهنين على سقوط النظام»، حتى ولو كانوا من وزن رئيس الجمهورية أو من سلالة بيت رئيس جمهورية سابق، أو ما يُوصف في الإجمال؛ بفريق «الإصلاحيين».. أو الذين تظاهروا (وسيتظاهرون!) في الشارع تعبيراً عن يأسهم وقنوطهم وتبرّمهم من أحوالهم وأحوال البلاد بعد أربعة عقود على سقوط نظام الشاه!

.. المهم أن لا نصل إلى يوم يعلن فيه السيد نصرالله، أن «إرسال» مقاتليه إلى إيران هو واجب مقدّس لـ«حماية الثورة» وإكمال تعبيد الطريق.. إلى القدس المحتلة!