شملان يوسف العيسى

 تشهد الساحة السياسية الكويتية جدلاً حاداً حول طبيعة الردة المجتمعية التي برزت على الساحة بعد إعلان نتائج الثانوية العامة هذا العام، حيث نزلت بعض الإعلانات عبر الصحف ووسائل الاتصال الاجتماعي يعلن فيها أبناء القبائل تهانيهم لخريجي الثانوية من أبناء القبيلة ويبدي أبناء القبائل في جامعة الكويت تقديم خدمة التسجيل للجامعة لكل أبناء القبيلة الراغبين في الالتحاق بجامعة الكويت في الكليات المختلفة.


هذا الإعلان القبلي أثار حفيظة المجتمع المدني في الكويت الذي يرفض المفاهيم القبلية والطائفية والعائلية والحزبية.
رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس في الجامعة الدكتور إبراهيم الحمود دعا إلى محاسبة كل من يدعو إلى القبيلة والطائفية والحزبية في الجامعة مستغلاً حاجة الطلبة إلى الإرشاد والدخول إلى جامعة الكويت، واعتبرت الجمعية أن تقديم الخدمات لأبناء قبيلة معينة يعتبر أعمال هدم المجتمع، وتفتيتاً للوحدة الوطنية وعودة صريحة للتمرد على الدولة ومؤسساتها ووحدتها، ودعا رئيس الجمعية ضرورة أن تبادر الجامعة بزيادة التوعية المجتمعية وإبراز خطورة الدعوات القبلية والفئوية والعمل على نبذ كل هذه الظواهر السلبية التي تؤدي بالحتم واللزوم إلى إضعاف الوحدة الوطنية، وأن كل هذه الدعوات لمساعدة طلاب القبائل دون غيرهم، إنما هي دعوات تخالف أحكام قوانين الوحدة الوطنية. الإدارة الجامعية حولت الطلبة المتسببين بالإعلانات إلى لجنة النظام الطلابي.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا عادت المفاهيم القبلية للكويت بعد التجربة الديمقراطية التي مضى عليها أكثر من نصف قرن، وما هي التحولات التي طرأت على طبيعة الدولة المدنية... الدولة في الخليج بشكل عام بنيتها عشائرية وقد كرست تلك التركيبة العشائرية، ولم تحدث محاولات جادة للحد من البعد العشائري، لذلك تعتبر القبيلة في الدولة الخليجية جزءاً من الدولة وهي كيان مرتبط بشدة في كيان الدولة. وهي مشكلة قائمة أيضاً في كثير من البلدان العربية.
لقد ساهمت الدولة في ترسيخ التضامنيات للقبيلة بدلاً من تعزيز المجتمع المدني الحديث، من خلال تجميع كل قبيلة في محافظة أو منطقة سكنية معينة في المشاريع الإسكانية، والهدف من ذلك الحفاظ على الكيان القبلي لأغراض انتخابية بحتة ومساعدة الدولة في اختيار نواب القبيلة في مجالس الأمة... الدولة ينبغي أن تكون جادة في إقامة دولة حديثة عمادها الدستور والقانون والسعي إلى معالجة القضية القبلية أو إذابتها في النسيج الاجتماعي الوطني، بمعنى خلق مجتمع مدني حديث يتخلى عن العصبية القبلية، ويستبدلها بمفهوم المواطنة في مجتمع يتساوى جميع أفراده بالحقوق والواجبات تحت لواء الدولة.
ما عزز الوضع القبلي في الكويت هو الانتخابات الدستورية، حيث شاركت القبائل في الانتخابات بعد الاستقلال عام 1961 والسلطة السياسية استفادت من هذه المشاركة عن طريق تسهيل معاملات القيادات القبلية الجديدة عن طريق المعاملات الحكومية، والهدف من ذلك الحصول على أكبر عدد من المؤيدين داخل مجلس الأمة يدعمون مشاريع الحكومة.
الانتخابات السياسية في الكويت عززت فيها دور الفرد بما في ذلك الفرد القبلي، فصوت لكل ناخب أمر تعزز بموجبه مرشحو الفخوذ والعشائر والبطون ذات الأكثرية داخل القبيلة القائمة على أساس الأصل والمكانة الاجتماعية.

لماذا أقدم شباب جامعيون متعلمون على تعزيز دور القبلية؟ وما هو منظورهم كشباب تجاه بقية الطلاب في الجامعة وحيال المجتمع الكويتي.
أبناء القبائل الذين باركوا لأبناء القبائل في النجاح، وعرضوا خدماتهم في التسجيل لأبناء قبائلهم فقط دون غيرهم يرون أنفسهم بأن لديهم سمات سياسية تختلف عن المحتوى العام للمجتمع، وأن خطوات التطور والحداثة في المجتمع ما زالت غير مؤثرة في تلك العلاقة الاندماجية، ولم تنجح كافة المحاولات التي جرت في المنظمات النقابية والعمالية والطلابية في تطوير تلك العلاقة في اتجاه الاندماج، رغم حقيقة أن الإسلام جاء بمفهوم يذم العصبية، إلا أن القبائل العربية الأعرابية حافظت باستمرار على تكويناتها السلطوية على ما كانت عليه.
وأخيراً نرى أن الكيانات القبلية مستمرة، لأنها تعيش في حالة تحالف سياسي تقليدي مع السلطة، فظهور النفط عزز من قوة السلطة ودفعها للحفاظ على هذا التحالف... نحن اليوم نعيش حالة تأزم مزمنة تعيشها المجتمعات العربية بسبب الصراع القديم بين مفهوم القبيلة والدولة. بيد أنه لا ضير في القبيلة ما لم يتحول مفهومها إلى القبلية والتعصب.