مصطفى زين 

لم تكن نتائج الانتخابات العراقية مفاجئة. تقدم هذا التيار أو ذاك الحزب لا يعني تغييراً جوهرياً في المسيرة السياسية منذ الاحتلال الأميركي حتى اليوم. فنقص حصة أحد الزعماء في عدد النواب أو زيادتها لا يعني سوى المزيد من التعثر في التوصل إلى صيغة أو صيغ ترضي الجميع، شرط الابتعاد عن تفجير الوضع، فالانفجار ليس من مصلحة صاحبتي النفوذ، أعني الولايات المتحدة وإيران اللتين تخوضان حرباً باردة لتثبيت نفوذهما انطلاقاً من بغداد وصولاً إلى دمشق وبيروت.


لنفصل أكثر. منذ إزاحة نوري المالكي من رئاسة الحكومة عام 2014 بدأ «التحالف الوطني» الشيعي يعاني من ظاهرة مقتدى الصدر الذي يطرح نفسه زعيماً سياسياً ودينياً أوحد للشيعة في العراق، خصوصاً أن نوري المالكي (زعيم التحالف) شن على أنصاره حملة سماها «صولة الفرسان» استطاع خلالها السيطرة على الوضع في الجنوب إلى حين، وانعكس الخلاف على التحالف، إلى أن حسمت واشنطن وطهران الأمر وأوتي بحيدر العبادي خلفاً له.

منذ «الصولة» والصدر يتحين الفرصة ليقدم نفسه بديلاً، فابتعد عن التحالف ووجه انتقادات عنيفة إلى إيران، لكنه لم يتقرب من أميركا، وهو يتباهى دائماً بأنه حارب الاحتلال وانتصر عليه. كما أنه يطرح نفسه زعيماً وطنياً، فيتقرب من الأكراد حيناً ومن الأحزاب السنية حيناً آخر ويغازل الشيوعيين ويدعو إلى علاقات قوية مع الدول العربية الخليجية. أما علاقته بـ «الحشد الشعبي»، خصوصاً مع زعيم «منظمة بدر» هادي العامري فلم تكن جيدة في أي مرحلة من مراحل الصراع على السلطة في بغداد.

خاض التحالف الشيعي الانتخابات التشريعية، قبل أسابيع، مشتت القوى: العبادي كان منافساً قوياً للمالكي، وعمار الحكيم الذي أسس «تيار الحكمة» كان غير متوافق مع الطرفين، وخاضها العامري مراهناً على «انتصارات الحشد الشعبي» في الموصل والأنبار. أما الصدر فخاضها من موقعه العائلي والديني و «انحيازه الوطني» ضد الجميع، واستطاع تسجيل نتائج جيدة جداً، دفعت الجميع إلى محاولة التحالف معه لتشكيل أكثرية تتحكم بتشكيل الحكومة، لكن مطالبته بأكبر حصة فيها حالت دون تفاهمه مع العبادي، فضلاً عن أن إيران لا تريد لهاتين القوتين أن تشكلا ركيزة الحكم في بغداد، فهي تعرف أن العبادي يقف على مسافة واحد بينها وبين أميركا، بل تتهمه بالانحياز إلى واشنطن، وتفضل تزعم المالكي الذي تعتبر خروجه من السلطة كان بسبب انحيازه إلى تدخلها في سورية، ولم تكن إطاحته بسبب الفساد على ما زُعم يومها، فالفساد ما زال مستشرياً في كل مفاصل السلطة حتى الآن.

لكن يبدو أن طهران، ببرغماتيتها، قبلت بواقع ما بعد الانتخابات الأخيرة وبأن لا حظ للمالكي في العودة إلى السلطة في هذه المرحلة، فبدأت محاولة لتشكيل تحالف جديد يقوده العامري بالتفاهم مع الصدر، من هنا كانت المفاوضات بين الطرفين الطامحين إلى إبعاد العبادي أو ضمه إلى هذا التحالف بشروط تقيد حركته. وقد اعترف الناطق باسم العامري أحمد الأسدي بأن «ما يحدث في العراق مهم بالنسبة إلى الدول المجاورة والقوى الكبرى، خصوصاً إيران والولايات المتحدة». وهو يعني أن الزعماء العراقيين سيأخذون بـ «نصائح» واشنطن وطهران. وقد يتوصلون إلى توافق على رئيس للوزراء لا يشكل استفزازاً لأي من هذين الطرفين.

نواب الأمة يتحالفون لتمثيل القوى الخارجية المتناحرة. مصالحها قبل مصالح الشعب الذي انتخبهم.