ليونيد بيرشيدسكي 

لم يتفق دونالد ترامب وكيم جونج أون على أي شيء له أهمية عالمية. وأبهة التقاط الصور في سنغافورة أفادت كيم أكثر من ترامب على الأرجح. لكن جمال اللحظة تمثل في أن ترامب لم يبال بمثل هذه الأمور وهذا جيد للسلام العالمي.

والاتساق ليس من نقاط قوة ترامب بصفة عامة. وحتى في مؤتمره الصحفي في سنغافورة يوم الثلاثاء الماضي، صرح ترامب في بداية الأمر بأن حقوق الإنسان للكوريين الشماليين تمت مناقشتها باقتضاب في القمة، ثم عاد وناقض نفسه ليقول إن المناقشات في هذا الأمر كانت «مطولة». لكن ترامب كان متسقا في شيء واحد وهو أن الاجتماع مع أي أحد «ليس ذي شأن». إنه ليس شرفاً ملكياً يُمنح، وليس جائزة في حقوق الإنسان تُعطى. وحتى إذا تضمنت المقابلة الرئيس الأميركي فلن يضيف هذا للأمر الكثير، إنه مجرد اجتماع.

ولا بأس لدى ترامب من وجود مجموعة من الأعلام الأميركية والكورية الشمالية كخلفية لالتقاط الصور أو من مصافحة كيم. وأشارت الموضوعات إلى اجتماع بين أشخاص متساوين وهو مناف للمنطق على عدة مستويات. لكن بالنسبة لترامب، يبدو كيم شخصية شهيرة مثله و«شخصاً موهوباً للغاية» و«مفاوضاً جيداً». فماذا تعني «موهوب للغاية» ألم يرث كيم البلاد وعمره 27 أو 28 عاماً وعمره الحقيقي غير معلوم، وأدار كيم البلاد بقسوة واحتفظ بالسلطة؟ وهل كون المرء طاغية أصعب من يكون زعيماً منتخباً بطريقة ديمقراطية؟ ليس هناك إجابة سهلة عن هذا السؤال وترامب لا يبالي بهذه الأسئلة المعقدة.

وربما بهذه الروح نفسها أيضا، اقترح ترامب أن تعود روسيا إلى مقعدها في مجموعة الثماني بينما رفض الزعماء الغربيون الآخرون هذا صراحة لأنهم ينظرون إلى المجموعة باعتبارها تجمعا للصالحين. وبهذه الروح نفسها، وصف ترامب إدارة كلينتون بأنها «نظام حاكم» وهي كلمة كانت الإدارات السابقة تقصر إطلاقها على الأنظمة الأجنبية الحاكمة الاستبدادية.

وترامب يختزل كل القضايا الأخلاقية القائمة في السياسة العالمية في صورة تجمع للمشاهير يعرف فيه الناس حقائق غير مريحة عن بعضهم البعض لكن تظل الابتسامات تعلو وجوههم ويتصافحون ويتسامرون. وقد ينطقون ببعض الأقوال السيئة عن بعضهم البعض أمام الجمهور لكن فيما يبنهم، فإنهم يتعاملون بأرحبية الزملاء وإن لم يكونوا بالضرورة ودودين.

وربما يبدو هذا خطأ، خاصة بعد ثمانية أعوام من محاولات أوباما من القيادة الأخلاقية التي يتعين القول إنها لم تساعد في حسم أي قضية دولية كبيرة. لكن هذا الخطأ ليس طريقة عمل سيئة بالضرورة. فحين يعرف الزعماء بعضهم بعضا يكون من الأسهل التوصل إلى تنازلات صغيرة لكن مهمة رغم ذلك لكثير من الناس العاديين مثل إعادة رفات الجنود الأميركيين الذين قتلوا في الحرب الكورية أو إعادة المخطوفين اليابانيين إلى بلادهم. فقد كانت عودة رفات الجنود الأميركيين إلى أرض الوطن من بين الأمور القليلة المحددة التي حسمها ترامب وكيم في القمة.

لكن «الرابطة الخاصة للغاية» التي ذكر ترامب أنها أقامها مع كيم قد يتضح أنها بلا قيمة. والإعلان الذي وقعه الزعيمان يمثل التزاما في الغالب لإجراء مفاوضات أكثر وقد يفضي بسهولة إلى لا شيء كما حدث مرات في الماضي. لكن كسر الحواجز الشخصية مهم وإقامة قناة دائمة للاتصال لا يُستهان به أيضا. ووقف العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة على شبه الجزيرة الكورية ووقف إجراء المزيد من الاختبارات النووية الكورية الشمالية- كما اقترحت الصين من قبل- يمثل خطوات صغيرة لكن مفيدة للسلام حتى إذا أصبحت الصين متأكدة على الأرجح الآن من أن العقوبات الدولية لن تضر نظام كيم كثيرا. وكشف ترامب في مؤتمره الصحفي في سنغافورة أنه يأمل أن تكتيكه البسيط -المتمثل في التهديد بـ «النار والغضب» ثم إبداء الود- سيجدي نفعا مع إيران أيضاً، وأن الزعماء الإيرانيين سيجلسون معه للتوصل إلى اتفاق نووي أفضل. وإذا حدث هذا، فإن ترامب سيطلق عليهم أيضاً على الأرجح «موهوبين للغاية».

والرئيس الأميركي يقامر بنهجه الخاص بإبرام الصفقات الذي يتبعه وسيتعرض للسخرية إذا فشل. لكن ترامب يواجه في المقابل كثيراً من السخرية والاحتقار والكراهية لدرجة أنه لن يخسر كثيراً. ويجب ألا ندين ترامب لمجرد أنه يتبع نهجاً مختلفاً. ويجب الإشادة بترامب إذا تحققت أي نتائج حتى لو كان كل ما استطاعه هو إعادة رفات الجنود الأميركيين.

*كاتب روسي مقيم في برلين

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»