سالم حميد

اختارت قطر التوقيت الخاطئ للقيام بخطوة دبلوماسية تهدف إلى تحقيق المزيد من التقارب مع إيران، في ظل ظروف إقليمية ودولية حساسة للغاية، تواجه بفعلها إيران مكاشفة دولية وإقليمية غير مسبوقة، إلى جانب ضغوط مشروعة لتأديبها داخلياً وخارجياً في المناطق التي حاولت اختراقها، ومنها اليمن الذي يواجه فيه انقلاب ميليشيا الحوثي الإيرانية حزماً قوياً، وبخاصة في الشريط الساحلي الغربي، عبر جهود تحرير محافظة الحديدة، مما يضمن عزل الانقلابيين وحرمانهم من تلقي الأسلحة من إيران بحراً.

إذن لا جديد في سلوك الدوحة المتخبط، ويمكن قراءة خطوة تعيين سفير فوق العادة لها في طهران كقفزة في الظلام ومكابرة يستمر عبرها تنظيم الحمدين في اختطاف حاضر ومستقبل القطريين، والمضي نحو مواصلة الانسلاخ عن البيت الخليجي، واتخاذ إجراءات تتصف بروح عدائية غير مبررة، بالتزامن مع مرور عام على دخول قطر في أزمة مع محيطها الإقليمي، نتيجة لإصرارها على تنفيذ أجندة تخريبية تعتمد على دعم التطرف والمجموعات الإرهابية، والقيام بكل ما يؤدي إلى تعميق الشرخ بين الدوحة والفضاء الخليجي والعربي الأقرب لها. وبذلك أصبح الخيار الوحيد والمرتبك الذي تتوغل فيه قطر كل يوم هو التخبط لترقيع سلسلة طويلة من أكاذيبها، القائمة على ادعاء الحرص على السيادة، بينما لا توجد أي علاقة بين دعم الإرهاب وبين الخيارات السيادية للدول.

إن أبسط تحليل لمجريات الأحداث الراهنة يكشف لنا حجم ألاعيب إيران جيداً، وعندما يصدر تنظيم الحمدين قرارات تتجه بقطر نحو المزيد من الخضوع المجاني لإيران، فإنه يقدم لها أكبر هدية في توقيت صعب للغاية. ونلاحظ أن النفوذ الإيراني في العراق يتراجع، بينما تتسارع وتيرة فقدان سيطرة الحوثيين على ما تبقى لهم من نفوذ في المناطق التي أخضعوها بالإكراه. أما الحرب في سوريا فقد تحولت إلى مستنقع غرقت فيه إيران مع «حزب الله» اللبناني.

وكان استمرار العلاقات الدبلوماسية بين الدوحة وطهران سيبدو طبيعياً في ظروف أخرى وغير مشبوه كما هو الحال اليوم في تقييم المراقبين. أما في ظل الأوضاع الإقليمية السائدة في المنطقة، فإن الحرص القطري على التقارب مع إيران بتعيين سفير فوق العادة هناك، إنما يتحول إلى خيانة صريحة وتهديد متعمد للأمن القومي العربي، كما يكشف عن سعي قطري محموم للتخفيف من حدة الضغط الإقليمي والدولي الذي تتعرض له إيران، عقاباً لسلوكها الداعم للفوضى وللحروب الطائفية والمهدد لأمن واستقرار العديد من الدول.

وفيما لا يزال كثير من ملفات التدخلات الإيرانية مفتوحة وتخضع للمعالجات العربية لإنهاء آثارها وأخطارها، تقوم الدوحة بتعيين سفير فوق العادة في طهران، وكأن قطر تقع في قارة نائية بعيدة عما يدور حولها.

كما يلاحظ ابتهاج إيران ومسارعتها لنشر خبر اعتماد السفير القطري الجديد، وبخاصة مع بحث إيران هذه الأيام عن أي ثغرة لمواجهة الضغط الدولي والإقليمي ضدها، سواء على مستوى الهلع في أوساط النظام بفعل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بالإضافة إلى إقرار عقوبات جديدة تلزم الشركات العالمية الكبرى بعدم التعامل مع النظام الإيراني، بما يترتب على ذلك من دخول إيران مجدداً في عزلة دولية، أو على مستوى الحزم العربي المستمر لمواجهة عملاء وذيول إيران في المنطقة، وفي المقدمة الجهود الخليجية الرامية إلى استكمال تحرير كافة مناطق اليمن من انقلاب ميليشيات الحوثي الإيرانية.

وفي الوقت ذاته يتورط تنظيم الحمدين مرة أخرى في تقديم خدمات تجميل للوجه الإجرامي للنظام الإيراني في المنطقة، رغم أن إيران تستغل العلاقة غير المتكافئة مع الدوحة لصالحها، بدليل مسارعة وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية إلى الإعلان عن الارتماء القطري الجديد في أحضان إيران. ولكي تمنح قطر خدمتها لإيران أكبر درجة من التذلل وإثبات الولاء، جاء تعيين السفير الجديد بأعلى مرتبة دبلوماسية في الدرجات المتعارف عليها دولياً.

الغريب في تصرفات الدوحة أنها تتحرك دائماً لصالح طهران كلما زاد الضغط والتأديب الدولي لوضع حد لسلوك إيران العدواني وحروبها الطائفية وتدخلاتها التخريبية، وبذلك يسير النظام القطري عكس التيار، ويحاول إنقاذ طهران بأي خطوة تثبت مقدار الولاء الأعمى. ولا ننسى أن تنظيم الحمدين يعتبر إيران في قاموسه الدبلوماسي «دولة شريفة»!