أمل عبد العزيز الهزاني 

الحرب في اليمن تعرضت منذ بدأت قبل ثلاثة أعوام إلى كثير من المتغيرات، إنْ على مستوى العمل العسكري أو السياسي أو المواقف الدولية. أبرز متغير وأكثرهم تأثيراً كان إعلان الرئيس الراحل علي عبد الله صالح في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي انقلابه على حليفه الحوثي، وانضمامه للشرعية، بعد خلافات واشتباكات مسلحة بين الفريقين، مما دفع بالحوثي عملياً للعودة إلى مربعه الأول كأقلية مارقة في التركيبة السكانية، وكطرف وحيد مدعوم من إيران. 

هذا الموقف لصالح، بطبيعة الحال، أكثر تأثيراً من عملية اغتياله التي ارتكبها الحوثيون، كمن يبوح بوصيته قبل الموت. حسم موقفه وموقف أتباعه الذين يمثلون أكثرية منافسة للشرعية. اغتيال صالح بعد ذلك أغضب جماعته، وأشعرهم بالإهانة، لكنه شحنهم معنوياً فمشوا على خريطة الطريق التي رسمها لهم قائدهم وملهمهم. 
الكل يشعر اليوم أن الحسم في اليمن قد أوشك عسكرياً من خلال تقدم القوات الوطنية اليمنية تحت مظلة تحالف دعم الشرعية في الحديدة، أكبر المعارك وأهمها منذ بداية التحرير، نظراً إلى أهمية مينائها كموقع جغرافي مطل على البحر الأحمر، ويتحكم بدرجة كبيرة في الملاحة ومضيق باب المندب، ولأنه الميناء الذي يمثل شريان حياة للحوثيين، حيث يجبون الضرائب على البضائع وتسعفهم إمدادات طهران من صواريخ وأسلحة ووقود وأموال. كما أن الحديدة تحولت إلى قضية دولية نظراً لكونها ميناء رئيسياً لوصول المساعدات الإغاثية، وأصبح الجدل حولها يباعد الحل أكثر مما يدنيه، حتى أن منظمة الأمم المتحدة رفضت أكثر من مرة الإشراف على الميناء لضمان وصول المساعدات لمستحقيها وضمان خلو السفن والناقلات من الأسلحة، ولهذا الموقف السلبي كان على قوات التحالف حسم ملف الحديدة قبل صنعاء وصعدة بوصول طلائع الجيش الوطني إليها. والحقيقة أن الحديدة هي المقصلة التي ستقطع رأس إيران في اليمن، وستبقى صعدة وصنعاء حروب استنزاف وشوارع كخيار أخير للحوثي.

أمام الحوثي أحد خيارين؛ فإما أن يضع سلاحه، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2216 ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، وتضع الحرب أوزارها عند هذه المرحلة والدخول في العملية السياسية فوراً، أو، وربما هذا الأرجح، أن يستمر الحوثيون في القتال حتى اللحظة الأخيرة وستستمر التوجيهات التي تصلهم من إيران بوضع المدنيين دروعاً بشرية وإدارة معاركهم من داخل الأحياء السكنية في صنعاء كما هو التكتيك الإيراني المعروف، مع محاولات مع المجتمع الدولي بالتعاون مع الإعلام العربي الفاسد وغير البريء، كالإعلام القطري وغيره، بتصوير معارك الحديدة وصنعاء وصعدة على أنها انتهاكات إنسانية. لكن بالتحكم في ميناء الحديدة وغلق أنبوب الإمداد الإيراني، ستخور قوى ميليشيا أنصار الله وفي هذه الحالة سيخسرون الحرب.
في كلتا الحالتين، لن تتوقف إيران عن توجيه الحوثي بالريموت كونترول، إن قررت أن يسلم الحوثي سلاحه، ستضع اشتراطات وعراقيل لمزيد من المماطلة في الحل السياسي كون الحوثيين أقلية لا تتجاوز 5% من سكان اليمن. وإن وضع سلاحه مهزوماً ستتمسك إيران بأدوات الحل الثلاث؛ مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن، التي قدمت لصعدة الكثير من الامتيازات البنيوية والسياسية.
السؤال العنوان: هل يشارك الحوثي في حكم اليمن؟

الكل متفق؛ اليمنيون، والخليجيون، والمجتمع الدولي، على أن كل مكونات المجتمع اليمني شريكة في الحكم من دون استثناء، من خلال مرحلة انتقالية يصاغ خلالها الدستور وانتخابات نزيهة يترك أمرها للناس. حتى جماعة الإخوان المسلمين بطبيعتهم البراغماتية، جلسوا طوال فترة الحرب في الشرفة، يطالعون سير المعارك منتظرين الحسم للدخول في العملية السياسية.
خطة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لم تخرج عن أدوات الحل الثلاث المعروفة، والتي في مضمونها شملت تشكيل حكومة انتقالية برئاسة متفق عليها وتمثيل وزاري متزن لكل مكون سياسي أو ديني. ربما أهم ما أضافته خطة غريفيث هو تشكيل مجلس عسكري وطني ممثلاً لكل الأطراف يقوم بالإشراف على تنفيذ الآليات وأهمها تسليم الأسلحة. الحقيقة أن الحلول هي نفسها لم تتغير منذ بداية الحرب، بيد أن الظروف تغيرت، لأن تأثير ودور المبعوث الأممي في العملية التفاوضية يعتمد بشكل أساسي على ما يحصل على أرض المعركة، فكلما كان هناك توازن وتقارب بين القوى المتحاربة كان الصوت التفاوضي أكثر انخفاضاً والدور الدولي أكثر صعوبة، نظراً لاستبعاد تنازل أي طرف عن سلاحه، أما اليوم، حيث ترجح الكفة لصالح الجيش الوطني اليمني، وتتقلص فرص جماعة الحوثي، وينحسر وجوده شمالا، فإن فرص الحل السلمي كبيرة.
وإن كان الوصول إلى خط النهاية ليس سهلاً، لكنها ستكون هزيمة إيران الأولى في مناطق تطفلها.