دنيس روس

وصف الرئيس ترمب الوصول لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بـ«الصفقة الكبرى». إنه يفخر بكونه صانع صفقات ويعتقد أنه قد يحقق هذه الصفقة الكبرى. 
ومنذ عدة أشهر عندما أطلع الأميركيون أعضاء مجلس الأمن في الأمم المتحدة على نهجهم ووضع الخطة، أكدوا أن الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب سوف يحبذون أجزاء من الخطة ويبغضون أجزاء أخرى. وللإنصاف لا توجد خطة تتمتع بالمصداقية يمكنها أن تُرضي أو تتناول احتياجات طرف واحد فحسب. وبالتأكيد لا يمكن أن تنجح خطة سلام إلا إذا كانت تتناول احتياجات كلا الطرفين.
ما جعل مثل هذا النزاع صعب التسوية هو أن هناك «صوابين» وليس صواباً وخطأ في هذا النزاع. هذان «الصوابان» يجب أن يتم التوفيق بينهما. نحن نتعامل مع حركتين وطنيتين تتنافسان على المكان ذاته. وكان من الحتمي أن يتم تعريف الصراع بشروط ذات محصِّلة صفرية، فيُرى انتصار أحد الطرفين دائماً هزيمة للطرف الآخر. وكان من الصعب قبول فكرة أن كلا الطرفين يمكن أن يربح. خير شاهد على ذلك قرار ترمب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة.
وعلى الرغم من أن ترمب قال إنه لا يعترف بحدود السيادة الإسرائيلية في القدس لأنها تحتاج إلى التفاوض، تم تصوير القرار على أنه ربح لإسرائيل وخسارة فلسطينية، لدرجة أن محمود عباس قطع جميع الاتصالات الرسمية مع إدارة ترمب، وقال إنها لا يمكن أن تظل الوسيط الوحيد.
ولكن لم يوقف ذلك إدارة ترمب؛ فهي مستمرة في إعلان أنها سوف تقدم خطتها في مرحلة ما. وفي ظل عدم وجود اتصال فعلي مع مسؤولين فلسطينيين، يحتاج الرئيس من قادة عرب أن يؤدوا دوراً في عملية السلام أبرز مما كانوا يؤدونه في السابق. ولا أعني بذلك الإشارة إلى أن القادة العرب يمكن أن يحلوا محل الفلسطينيين؛ فلا يمكنهم ذلك. ولكن يمكنهم فعل شيء لم يفعلوه من قبل: يمكنهم أن يعلنوا ما إذا كان المقترح أو الخطة جديرين بالثقة أو يحققان الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني بما يصون لهم كرامتهم.


على مدار التاريخ، كان موقف القادة العرب الذين يقبلون الوصول إلى نتيجة سلمية وحل الدولتين لشعبين، هو القول إنهم يستطيعون القبول بأي شيء يوافق عليه الفلسطينيون. وكانت المشكلة هي أن الحركة الوطنية الفلسطينية يقودها مَن يجدون من الصعب الموافقة على مقترحات معينة لحل النزاع. 


استضافني على العشاء منذ عدة أشهر عدد من الفلسطينيين، من بينهم أشخاص عقدت معهم مفاوضات من قبل، وكانوا يقولون بأسف إن كل شيء كان سيصبح مختلفاً اليوم لو كان عرفات قد وافق، ولكنه لم يفعل. ولم يقل أي من الزعماء إنه في حين يظل القرار فلسطينياً، كانت تلك المعايير جديرة بالثقة وتفي بالحقوق الوطنية الفلسطينية. ربما كان التاريخ ستعاد كتابته لو فعل ذلك شخص ما.
هل من الممكن أن تتغير الأمور هذه المرة؟ في ظل الضعف والانقسام بين الفلسطينيين، ورفض عباس لإدارة ترمب، يبدو من الواضح أنه أياً كانت خطة ترمب للسلام، سيميل الفلسطينيون إلى رفضها. 
وبالنسبة للقادة العرب، على الأقل، يجب أن تتناول الخطة الاحتياجات الوطنية الفلسطينية، فيما يتعلق بحدود سليمة للدولة وعاصمة في المناطق العربية من القدس الشرقية. من المفترض أن إدارة ترمب سوف تستعرض الخطة - ليس خطوطها العريضة بل تفاصيلها - مع قادة عرب بارزين قبل تقديمها. ويجب أن يعرف الرئيس رد الفعل الذي سيحدث قبل أن يُقدمها، ويجب أن يصل فريقه الخاص بعملية السلام إلى الصيغة التي سيتم الحديث بها عن الخطة مُقدماً حتى لا تكون هناك مفاجآت.


لم يحسن الفلسطينيون القرار عندما رفضوا مقترحات السلام في الماضي. وعقب رفض معاهدة كامب ديفيد في عهد الرئيس كارتر، ومحادثات الحكم الذاتي التالية، خسر الفلسطينيون الفرصة لوقف عمليات بناء المستوطنات الإسرائيلية. وفي عام 1980، في محادثات مع السفير سول لينوفيتز، وافق الإسرائيليون على أن تكون إحدى صلاحيات سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية المؤقتة حق النقض ضد الاستخدامات الجديدة للأراضي في الضفة الغربية وغزة.


في ذلك الوقت، كان لدى إسرائيل أقل من خمسة آلاف مستوطن. أما اليوم في ظل وصول العدد إلى 300 ألف مستوطن خارج القدس، ليس من الصعب أن نرى ما خسره الفلسطينيون بالتخلي عن هذه الفرصة. ومن الواضح أنه بعد الرفض في عهد بيل كلينتون، أصبح الفلسطينيون في حال أسوأ بكثير.
من المحتمل أن يستطيع القادة العرب اليوم خدمة المصالح الفلسطينية بالخروج إلى العلن ومساعدة الفلسطينيين حتى لا يخسروا الفرصة إن وُجِدت. وفي هذه المرحلة لا أعلم ما هو مضمون خطة السلام التي تعدها الإدارة الأميركية، ولا أدري إن كانت تطبق معايير المصداقية من وجهة نظر العرب. بيد أني أعلم أنها إذا حققت المصداقية فسوف يستطيع العرب دعم الفلسطينيين بأن يكونوا منفتحين ويقولوا إنها جديرة بالثقة.
لم يساعد الرفض القضية الفلسطينية. وقد يكون أفضل دعم يقدمه العرب لتلك القضية اليوم أن يكونوا صرحاء مع الفلسطينيين في العلن كما هم في السر.