دولتان هما أفغانستان ببعدها السني، والثانية إيران ببعدها الشيعي، يجب أن يضعهما السياسي العربي الفطن الحصيف أمام عينيه، فهما في تقديري نموذجان يثبتان بشكل قطعي أن الإسلام أولاً وقبل كل شيء دين وعقيدة وعبادة، أما إذا انحرف به الساسة المؤدلجون عن هدفه، واستحضروا بعض التفاسير والتأويلات لنصوصه وسيّسوه، كما يفعل الطالبانيون السنة والايرانيون الشيعة، فإن النتيجة تكون مماثلة تماماً لما يجري الآن في تلك الدولتين.

أفغانستان قبل أن يغزوها السوفييت، ويستنهضون أصحاب الأرياف من أريافهم لمقاومتهم، ليصبح (الجهاد) هو الصوت الأعلى في مواجهة الغزو السوفييتي، كانت دولة متقدمة نسبياً في زمنها قياساً بجاراتها، وكان التعليم فيها مزدهراً، وكانت من فرط إعجاب بعض الغربيين بها، يطلقون عليها (سويسرا الشرق)، غير أن تداعيات الحرب الباردة، والصراع الضمني الذي جرى بين القوتين الأعظم حينها على أرضها، وتراجع التنويريون المتعلمون، وتقدم المجاهدون الجهلة الدمويون، وسيطرتهم على مجريات توجيه المجتمع في المدن والأرياف، ردّها مئات السنين إلى الوراء، وبقيت في حروب طاحنة، وصراعات مستمرة، حتى اليوم، ورغم التدين الشكلي لمقاتلي طالبان، ورفعهم راية الجهاد، إلا أنهم كما هو ثابت كانوا أبعد ما يكونوا عن خلق وقيم الإسلام، يتاجرون بالمخدرات، إنتاجاً وترويجاً، بالشكل الذي جعل هذه الدولة المتأسلمة بؤرة استوطن فيها المرض والجوع والفاقة، وكل مظاهر الدول الفاشلة، وأصبحت أبعد الدول في العالم عن خدمات العصر، حتى البدائية منها، ناهيك عن انعدام الأمن والاستقرار، إلى درجة أهلتها وعن جدارة لتكون الدولة الأفقر على الاطلاق في العالم.

جمهورية إيران المتأسلمة، هي مثال آخر لدولة التأسلم السياسي، ولكن بصبغة شيعية. إيران هي الأخرى كانت قبل ثورة الخميني مؤهلة لتكون تركيا الثانية، وكانت تسعى إلى العلمانية بخطى حثيثة، بل تتفوق على تركيا بوجود الثروات الطبيعية مثل الغاز والبترول، بالشكل الذي يجعل التنمية فيها أسهل وأسرع من تجربة أتاتورك في تركيا؛ فقد كانت إيران قبل الثورة الخمينية تتصدر الدول المنتجة للبترول بما فيها المملكة، وكانت الحركة السياحية مزدهرة، وتمثل ما يربو على 10 % من الناتج الإجمالي المحلي؛ ويمكن القول وبعلمية إن الشاه لولا بعض الأخطاء في أسلوب إدارة حكمه، استمر في الحكم ولو 10 سنوات، لكانت إيران اليوم تتفوق على تركيا في كثير من المجالات، إلا أن هرولة الإيرانيين خلف رجل الدين الخميني، وتصديقهم لوعوده، جعل إيران تعود إلى الوراء عشرات السنين، وينخفض الناتج القومي إلى الحضيض، وتنتشر البطالة ويتفشى الفقر وتتلاشى السياحة ليصبح أكثر من 40 في المائة من الإيرانيين تحت خط الفقر، فضلاً عن أن الأرقام المعلنة من السلطات الإيرانية عن انتشار المخدرات، يشير إلى أنه على وشك أن يتحول إلى وباء اجتماعي، يندر أن ينجو أي بيت منه.

ما تقدم يثبت حقيقة لا مجال للباحث أن يتجاوزها، مفادها أن الإسلام إذا ما سيسه الانتهازيون، وجعلوه مطية للتغرير بالشعوب، فإن النتيجة التي ستنتهي إليها الدول التي يحكمها المتأسلمون، ستكون إما الحالة الإيرانية أو الحالة الطالبانية، أما تركيا التي يحاول أردوغان أن يقدمها للبسطاء والسذج على أنها تجربة إسلامية سياسية، فإن الدستور التركي نفسه، ينص نصا لا لبس فيه أنها (دولة علمانية)، وهذه المادة التي تنص على علمانية تركيا هي (مادة آمرة)، أي لا يجوز البتة مخالفتها أو تغييرها.

والسؤال الذي دائماً ما أسأله: التجربة دائماً وأبداً خير برهان، فلماذا كثير من العرب يتجاوزون ذلك، ويصر كثير منهم على تكرار تجربة أفغانستان وإيران وهم يرون النتائج ماثلة أمامهم؟

إلى اللقاء