بعض من يسمون أنفسهم ناشطين يرون أن الإنسان له أن يتحدث بأي شيء ما دام لم يحمل سلاحا، وهذا رأيٌ ليس عليه أثارةٌ من علم، بل هو مخالف للأحاديث الصحيحة.

يكثر الحديث في هذه الأزمنة عن «حقوق الإنسان»، ومعلومٌ أن بعض الغرب إذا تحدثوا عن حقوق الإنسان، إنما يَعنُون «بالإنسان» إنسانهم هم، فالإساءة إليه تُعَد عندهم جريمة لا تُغتَفر، وأما إن كان من غير أناسيِّهم، فالإساءة إليه مسألة فيها نظر، ولهذا نراهم لا يسمحون لأي إنسان بأي تصرف يُعكر أمن الناس في بلادهم مهما سُمي ذلك التصرف بأي اسمٍ حقوقي، لأن الأمن الوطني عندهم خط أحمر، ولا يمكن أن يُسوِّغوا ذلك تحت مسمى حرية التعبير أو الرأي أو حقوق الإنسان، ولا يُلامون في ذلك، فلا حق للإنسان في أذية ناسه ومجتمعه، وإنما حقه أن يُمنع من ذلك، بينما تختلف مكاييلهم إذا كانت الإساءة لأمن بلدٍ مسلم، بل ربما يُسوِّغون ذلك، ويحتضنون مثيري القيل والقال والفتن من تلك البلاد المسلمة، ولا يرون بأساً في تخابرهم مع دولٍ معاديةٍ لبلدهم المسلم، يفعلون ذلك تحت شعار: حقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير، وهو ما لا يسوِّغونه لو فعله أي إنسان ضد بلادهم، فتلك المنظمات المسماة «حقوق الإنسان» لبعضها أهداف سياسية، لا علاقة لها بالحقوق.
ومن أراد الحقوق بطريقة عادلة، فعليه بالتزام الإسلام، فهو الذي كفل الحقوق لكل أحد، فحرَّم الاعتداء على أي نفس بغير حق بغض النظر عن الجنس والبلد والدين، كما قال تعالى: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل النّاس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، بل إن الإسلام كفل حتى حقوق الحيوان، فجعل سقي الكلب سببا لدخول الجنة، وحبس الهرة سببا لدخول النار.
ونظّم الإسلام حق التعبير، فأباحه إذا كان فيه خير وأمنٍ واجتماع كلمة، ومنعه إذا لم يكن كذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت)، ومن ظن أن الغيبة والنميمة والأذية والفتنة والتهييج والتحريش داخلةٌ تحت حرية التعبير والرأي، فقد ضل ضلالا بعيدا، كما أن من ظن أنه ليس على المتكلم أن يراعي ماذا ينبني على كلامه، وأن له أن يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها، فقد سفه نفسه، وفقد عقله، إذ لا بد من مراعاة مآلات الكلام، ففي صحيح البخاري لمَّا قيل لأسامة، ألا تدخل على عثمان فتكلمه، فقَال: «أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم، والله لقد كلمته فيما بيني وبينه، ما دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من فتحه»، وبعض من يسمون أنفسهم ناشطين - وأرجو ألا يكونوا ناشطين في الشر - يرون أن الإنسان له أن يتحدث بأي شيء ما دام لم يحمل سلاحا، وهذا رأيٌ ليس عليه أثارةٌ من علم، بل هو مخالف للأحاديث الصحيحة، ثم إن الكلام أحيانا يكون أشد وقعا من السيف، والشر أوله كلام، وفي الحديث (تكون فتنة اللسان فيها أشد من وقع السيف) رواه أبوداود، فلا يصح مخالفة الأحاديث بهذا المصطلح الذي اخترعوه «حرية التعبير»، فالإنسان ليس حرا أن يؤذي الناس بلسانه، ويثير عليهم وعلى بلادهم الأعداء.

 

أحمد الرضيمان