عبدالله بشارة

 تأخرت في نشر هذا المقال لتعارضه مع إجازة العيد، وحرصاً مني على تأمين تواجد واسع في دائرة القراء رأيت التأجيل، وأبدأ بالتأكيد على إيجابية مبادرة سمو الأمير في إيفاد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الوزير الفاضل أنس الصالح في لحظات الأزمة الحرجة التي أدارها الملك عبد الله بحكمة أدت نتائجها إلى إعادة الوضع المستقر مع تبدلات في القيادة التنفيذية.


كما نتابع الاهتمام بالوضع عبر مبادرة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي دعا إلى اجتماع في مكة يضم الكويت والسعودية والإمارات بحضور ملك الأردن للتعاطي الخليجي الجماعي مع أزمة الأردن، وخرجت قمة مكة بتعويم الأردن اقتصادياً والحفاظ على أمنه سياسياً، وتأكيد مكانته الاستراتيجية الفريدة للجميع، لا سيما لدول مجلس التعاون.
لم تكن العلاقات الأردنية – الكويتية دائماً سمناً على عسل، فخلال حكم المرحوم الملك حسين تعرضت إلى انسدادات أفرزتها عجز القيادة الأردنية عن فهم الانشغال الكويتي لتأمين صلابة الدولة المستقلة حديثاً، فمن يقرأ المحاضر سيقف على غياب التعاطف مع الواقع الكويتي الأمني، فمع ادعاءات عبد الكريم قاسم 1961، توجه وفد الكويت إلى عمان في صيف عام 1961، وكانت الحصيلة أقل كثيراً من التوقعات، بل إن المحضر يكشف النشافة التي تسيدت المداولات، وأعتقد أن شيئاً ما بقي في مسار العلاقات وتجذر مع الغزو، وكذلك بسبب ما قرأناه من محاضر لقادة المسؤولين الأردنيين في جولاتهم الأوروبية والأميركية مسكونين بادعاءات الحل العربي الوهمي، وكان غطاء وظفه الأردن تحاشياً من اتخاذ الموقف الذي كنا نتوقعه، صحيح أننا لم نتوقع المعانقة معنا لكن قليلاً من التفهم.
كنا في قمة القاهرة عام 1996، وكان المرحوم الشيخ سعد يترأس الوفد الكويتي، وكنت ضمن الوفد، كنا نتحاشى النظر إلى مواقع الوفد الأردني برئاسة الملك حسين، ولم يكن ذلك من الأمور الطيبة وليست من عاداتنا، والحقيقة أن ذلك الوضع لا يتفق مع مصالحنا ولا مع ما نتوقعه من السلوك الأردني التاريخي بالعطاء العقلاني الذي تفرضه جغرافية الأردن.
جاء الملك عبد الله وكنا على يقين من انفتاح الأبواب على مسار آخر غير الذي سبب لنا الصداع، وهنا أود الضغط على أهمية التلاقي الأردني – الخليجي الاستراتيجي، ليس في ضرورة دعم الأردن فقط، وإنما من زاوية الدور الذي يطلبه التاريخ ويفرضه الواقع في شبه الجزيرة على الأردن، وهو التصدي مع دول الخليج للتطرف السياسي والأيديولوجي التخريبي وللوقوف على الأطماع التوسعية الحزبية مع تأكيد احترام سيادة الدول وإرادتها ونظامها السياسي والاجتماعي والوقوف وبقوة ضد الأنظمة الدكتاتورية التوسعية.
دور الأردن الطبيعي مع مجلس التعاون هو تقويض مخططات التخريب، سواء من نظام صدام أو النظام السوري أو غيرهما، فالأردن موجود ليبقى سداً يعيق التوسع الجغرافي لهذه الأنظمة، وجداراً ضد العبثية التخريبية والحزبية، ودوره معنا في تأكيد الأنظمة الشرعية الدستورية والتاريخية، سواء في الجزيرة العربية أو في غيرها، مع الاسهام للدور الخليجي في تطبيع الواقع السياسي العراقي والسوري بدعم توجهات الاعتدال فيهما لكي يعود العراق وسوريا إلى واقع طبيعي متناغم مع قواعد السلوك الدولي ومقبول من الأسرة العالمية.
وهذا النهج هو قدر الأردن ومكانه الالتئام مع النهج الخليجي، ومن غير ذلك يزداد صداع الأردن، فهناك مأمورية تاريخية مشتركة بين الأردن ودول الخليج لافشال مخططات التخريب الحزبية وترسيخ الاعتدال، والدفع دولياً وعربياً نحو تحقيق شعب فلسطين مكانته في الاستقلال بجانب الأعضاء الآخرين للأسرة العالمية، والأردن هو الفقيه السياسي والتاريخي للقضية ويتحمل أثقالها ولم يتوقف عن طرحها بحثاً عن العدالة الممكنة.
وأنا لا أميل إلى حصر العلاقات الخليجية – الأردنية في المجال الاقتصادي، فالمطلوب من هذه العلاقات أكثر وأوسع من دور القاطرة الاقتصادية المستثمرة، وبصراحة استقرار حوض الشام، ممثلاً في اعتيادية الحياة وتطبيع واقعها مع المرتكزات القانونية والسياسية المتعارف عليها دوليا، هو مفتاح الاستقرار في تلك المنطقة التي تضم لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، مترابطة مع دول مجلس التعاون، ومن هذا التصور يتولد نظام العقلاء في شبه الجزيرة العربية كلها.
ومن المؤكد أن هذا الكيان سيتحقق مع تطورات سوريا وتبدلات العراق وبلورة الترابط الأردني – الخليجي.
كنت مندوب الكويت في الأمم المتحدة عام 1974، عندما قررت القمة العربية تحميل مسؤوليات القضية الفلسطينية وتحريرها لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكنت من ضمن الذين تخوفوا من ذلك القرار المتسرع، لأن الاجماع العالمي هو دعم الأردن في استعادة أراضيه، ولم يكن هناك إجماع على الدولة الفلسطينية آنذاك، وجاء عرفات خطيباً في الجمعية العامة وقدمه رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة وزير خارجية الجزائر – رئيسها الحالي – عبد العزيز بوتفليقة كرئيس دولة فلسطين وحامل آمال الشعب، وخطب عرفات، وكأنه يتحدث أمام عدم الانحياز، تاركاً خطوط الآمال الفلسطينية للتطورات العالمية والعربية، مع تساؤلات شرعية من الوفود عمن سيرسم هذه الآمال التي سردها عرفات.
أتصور بأن التشابك بين الأردن ومجموعة مجلس التعاون توطد مع قمة مكة، ووضعت الأسس لفصل جديد في العلاقات يمكن الأردن من تجاوز أزمة اللاجئين وأزمة الانحسار الاقتصادي وتطلعه إلى الاستجابة للقرار التاريخي في المشاركة لغرس النظام العربي الجديد لشعب الجزيرة العربية.
لم يتمكن الأردن من التعبير القوي كصوت للاعتدال الاقليمي لمسببات كثيرة أبرزها الواقع الداخلي الذي تتسيده تجاذبات حزبية وأيديولوجية، وتطلعات جماهيرية، ومضايقات الاحتلال والانكشاف الاقتصادي مع الانسداد الدائم للمشكلة الفلسطينية.
لا بد أن يقرر الأردن تجاوز تلك اللائحة الطويلة من الهموم الضاغطة، بالتوجه الاستراتيجي والفكري والسياسي نحو الانسجام مع لائحة الأهداف الخليجية، وهي تتماثل جدا مع السلوك الأردني الحالي.