سالم سالمين النعيمي 

النفوذ المالي وحده وأفضل الخبرات والممارسات لا تكفل لأي دولة أو شخص بتوجيه الرأي العام نحو رأي منقاد والإذعان الطوعي للأجندات الموضوعة والأهداف المرسومة للأبد أو بتأثير مقارب لما كان عليه الحال في العقود السابقة ولم تعد الحيادية والموضوعية هي العامل الأهم بعد أن أصبحت الموضوعية نسبية ومصادر الرأي العام غير تقليدية. وقد يؤثر شخص، يعتبر تافهاً وجاهلاً من الأغلبية في توجهات الجمهور لمجرد أن يقول ما تريد الجماهير أن تسمعه ويكسر القواعد العامة وكل أساليب التأثير ويعيد صياغة معايير الشخصية المؤثرة وإن كان لا يغير سياسة عامة أو يساهم فيها بصورة مباشرة أو تتأخذ بسبب قناعاته وأتباعه من قبل قاعدة جماهيرية عريضة قرارات حيوية.

وفي الواقع هناك تقسيمات عديدة للرأي العام، وذلك حسب عمق التأثير والتأثر ما بين الرأي العام المسيطر والذي يتضمن أراء النخب المستنيرة وخاصة المتعلمين والمثقفين والرأي العام المثقف، وهو يتكون ممن يشكلون الفئة الوسط التي تلي الفئة الأولى القائدة. ويختلف حجم هذا الرأي حسب درجة التعليم في المجتمع، وهو رأي يؤثر فيما هو أقل منه درجة من حيث الثقافة والتعليم ويتأثر بوسائل الإعلام والدعاية بدرجات متفاوتة حسب مستوى نضجه. وهناك كذلك الرأي العام المنقاد، والذي يتكون من الرأي العام المنقاد، وهو يمثل الفئة التي لا تنتمي إلى الفئتين السابقتين، وهو رأي السواد الأعظم من الشعب من غير القادرين على مواصلة الاطلاع والبحث ومن غير القادرين على متابعة الأحداث، وينقاد أصحاب هذا الرأي المنساق لما يوجهه لهم أفراد الرأي المستنير والرأي العام القارئ، وتوثر فيه وسائل الإعلام والدعاية ويتقبل الشائعات ويتشكل من الأكثرية التي نالت حظاً قليلاً من التعليم والثقافة، وقد تكون متعلمة، ولكنها غير مثقفة، ويؤمنون بأغلب ما يذاع ويعرض في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

ومن جانب آخر، فإن رأي الأغلبية يمثل رأي ما يزيد على نصف الجماعة، وهو تجميع وتكرار الرأي الشخصي لأغلبية الجماعات الفعالة، ويقابله رأي الأقلية، وهو ما يقل عن نصف الجماعة، ويعبر عن رأي طائفة من الناس لا يستهان بها، فقد يكون بين صفوف الأقلية بعض الأكفاء والمتخصصين المؤثرين في القضايا المثارة ويتأثر الغالبية بالرأي العام الساحق وهو حالة من الاتفاق تصل إليها الجماعة أو أكثريتها الساحقة وهو ليس رأي الأغلبية، إنما رأي قريب من الإجماع، ويقترب من العادات والعرف والتقاليد.

ولا ننسى الرأي العام الإقليمي، وهو يعبر عن نفسه من مسماه، والرأي العام العالمي أو الدولي، ويقصد به الرأي العام الذي يسيطر على أكثر من مجتمع واحد، وهو الرأي السائد بين أغلبية شعوب العالم في فترة معينة نحو قضية معينة، فهو رأي الشعوب لا رأي الحكومات مثل قضايا الأوبئة العالمية.

ومن حيث ماهية الرأي العام العالمي فهو يخلق صوراً أساسية مطاطة ومتغيرة بصورة متكررة في الأذهان. وتتمسك الجماعات بالرأي العالم العالمي، وفق درجة التأثير والتكرار والمصداقية، ومن يقوم بتوصيل الرسالة ومضمونها، وما هي مصلحة كل جماعة، وهل يعكس هذا الرأي قيماً عالمية وإنسانية مشتركة، ولكن تبقى صعوبات كبيره في تشكيل رأي عالمي مؤثر في فترة وجيزة، نظراً لعدم وجود ثقافة عالمية توحد مصالح جميع البشرية وعدم فاعلية المنظمات الدولية (كالأمم المتحدة) في اتخاذ مواقف واضحة وغير مبهمة من أول وهله والأخذ بالنتائج الظاهرة وعدم التعمق في البحث عن الأسباب التي تقف خلف ما يحدث أو حدث في صراع ما وتنوع المعسكرات السياسية المختلفة بالعالم (الشيوعي - الرأسمالي – الإسلامي.. الخ) ومصالح متشابكة بين قوى عظمى وأخرى صغرى تكون هناك صعوبة كبيرة في تشكيل رأي عام عالمي بجانب مشكلة العادات والمبادئ واللغة.

وبالنسبة لواقع الرأي العام العالمي في الوقت الراهن، فإن هناك سيطرة شبه مطلقة من الولايات المتحدة ودول الشمال على النظام الإعلامي الدولي، أي «ديكتاتورية اتصالية»، مما حول وسائل الإعلام لمنبر أحادي لصوت أو صوتين متمثلين في أميركا والعالم الغربي، وهما الصوتين المحتكرين والمؤثرين في الرأي العام الدولي بجانب روسيا والصين وصعوبة اختراق تلك الكارتيلات الإعلامية وتوابعها ووسائل دعهما كمراكز البحث ومحركات البحث الإلكترونية والمواقع الإلكترونية التخصصية ومواقع الاتصال الجماهيري والسينما والرياضة، وتناقص تأثير الإعلام التقليدي في ظل صعود أسهم وسائل التواصل الاجتماعي في إعلام الفضاء الإلكتروني والقنوات الإخبارية والصحف التي تحولت للعالم الافتراضي.