محمد صلاح 

بدت ردود الفعل في مصر تجاه الحكم القضائي لمصلحة عودة عقيد في الشرطة إلى عمله، بعدما عُزل من وظيفته بسبب إطلاق لحيته، غاضبة، وطرحت تساؤلات حول جدية الدولة في مواجهة «الإخوان» والجماعات الأصولية والراديكالية الأخرى، فالشعور العام في مصر يرى خطورة انخراط هؤلاء الضباط في العمل الأمني مُجدداً، بعدما كُشف عن اختراق بعضهم أجهزة الأمن لخدمة مخططات تخريبية والعمل لمصلحة جماعة «الإخوان المسلمين» أو تنظيم «داعش»، حتى أن أحدهم اتهم بالتخطيط لاغتيال رئيس الجمهورية.


لا يمكن البحث في الموضوع من دون النظر إلى المخاوف في مصر من المتأسلمين عموماً، ومن منحتهم الظروف سلطة أو نفوذاً خصوصاً. تفاصيل الموضوع تشير إلى أن المحكمة الإدارية العليا قضت، في حكم بات نهائياً واجب النفاذ، بعودة عقيد عُزل من وظيفته في العام 2014 إلى العمل، ما يفتح الباب أمام عودة بقية الضباط المفصولين للسبب نفسه. وقالت المحكمة إن الضابط «ارتضى طواعية الانخراط في العمل بمرفق الشرطة، وأقسم قبل مباشرة أعمال وظيفته باحترام الدستور والقانون، ومارس أعماله كضابط شرطة لسنوات طوال، ملتزماً ضوابط هذا المرفق ذي الطبيعة الخاصة، والتي من بينها الالتزام بزي خاص ومظهر يحكمه القانون والقرارات والتعليمات الانضباطية، ومن ثم كان يجب عليه استكمال أعمال وظيفته بموجب القانون والتعليمات، لكنه أعفى لحيته اعتقاداً منه بمخالفة قصها أحكام الدين الإسلامي الحنيف، رغم كونها من الأمور المُختلف فيها، ومن ثم يكون الضابط خالف القانون والتعليمات الانضباطية داخل مرفق الشرطة، من دون أن يستقيل أو يلتمس عملاً آخر، ويكون ارتكب ذنباً إدارياً لا يجب التهاون في شأنه، باعتباره يمتنع عن الخضوع لقواعد النظام. ورأت المحكمة أن قرار عزل الضابط من وظيفته «شابه الغلو وعدم التناسب»، إذ يعتبر هذا الجزاء «في مثابة الإعدام الوظيفي للطاعن»، وكان يتعين على مجلس التأديب في وزارة الداخلية «الملاءمة بين الذنب الإداري الذي اقترفه الطاعن وبين الجزاء المناسب له». الحكم هنا يشير إلى مخالفة إدارية ولم يتناول انتماء الضابط الملتحي إلى تنظيم ديني.

وكانت قضية الضباط الملتحين تفجرت في العام 2012 مع بداية صعود التيار الإسلامي في مصر، بعد أن ضرب الربيع العربي مصر ودولاً أخرى، وبدأت أعدادهم في تزايد مع تولي الرئيس المعزول محمد مرسي الحكم في منتصف العام نفسه، لكن بعد عزله في منتصف العام 2013، توارى كثر منهم، وبقى قلة، أصرت على موقفها، حتى أن بعضهم جاهر بتأييد جماعة «الإخوان المسلمين» إبان اعتصام «رابعة العدوية» وأظهر انتماءه الى الجماعة، رغم أن الالتحاق بالجيش أو الشرطة أو القضاء في مصر يمنع ممارسة السياسة، وقطعاً الالتحاق بجماعات دينية، خصوصاً لو كانت مُصنّفة إرهابية.

بعض الضباط الملتحين ذهب بعيداً والتحق بـ «داعش»، ومنهم الضابط محمد الباكوتشي الذي ظهر في مؤتمرات الضباط الملتحين مراراً، قبل أن يُحال الى التقاعد، وهو لقى حتفه في حادث سير في العام 2014، وكشفت تحقيقات النيابة العامة في قضية محاولة اغتيال الرئيس السيسي، أن الباكوتشي التحق بتنظيم «داعش» وأبلغه زميل له، هو الضابط كريم حمدي، بخطة وموعد فض اعتصام جماعة «الإخوان» في ميدان «رابعة»، بعد أن علم بها كونه كان حارساً شخصياً لقائد قوات الأمن المركزي في ذلك الوقت اللواء مدحت الشناوي.

الباكوتشي كوَّن تنظيماً من عدد من الضباط لتنفيذ هجمات بهدف اغتيال الرئيس السيسي وعدد من القيادات الأمنية البارزة. وهذا التنظيم خطط بالفعل لاستهداف موكب رئيس الجمهورية.

إذاً، كيف يُنفذ الحكم القضائي النهائي وهل يؤتمن أصحاب الباكوتشي على أسرار وزارة الداخلية؟ بالطبع، فإن أسئلة كتلك تثير مخاوف الناس، لكنْ قليل من البحث أظهر أن القضاء الإداري، صاحب الحكم الأخير، غير مختص بكون الضباط ينتمون إلى تنظيم إرهابي أو لا، فذلك أمر تفصل فيه محكمة أمن الدولة العليا، إذاً الحكم تعلق فقط بارتكاب الضابط مخالفة إدارية بعدم الالتزام بزي ضباط الشرطة، وأن عقابه كان يستوجب أولاً إحالته على الاحتياط ثم عرض أمره على المجلس الأعلى للشرطة بعد انتهاء مدة الاحتياط للنظر في أمره. باختصار، لا مجال للقلق فإن قضية الضباط الملتحين ستنتهي إلى إعادتهم إلى عملهم ووقفهم عن العمل في اليوم نفسه، وإحالتهم على الاحتياط ثم فصلهم.. بالقانون.