محمود هاشم

من الطبيعي أن تجد المهن المتعلقة بالطعام مرتبطة بالمرأة، خاصة في العالم العربي، فالمطبخ هو مملكتها الخاصة، لكن هذا الأمر تغير كثيراً، فأصبحنا نرى أشهر طهاة الفضائيات رجالاً، ومؤخراً ظهرت مصطلحات مثل «مدون» و«ناقد طعام»، وأرجع عمرو حلمي، الذي يعرف نفسه بأنه أول ناقد للطعام في مصر، أن الشغف الشديد بالأكل ووصفاته، وراء اهتمام عدد كبير من الرجال بدخول هذا المجال، بالإضافة إلى تحملهم مشقة العمل وسط الحرارة الشديدة.

يروي حلمي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» تجربته مع الطعام، التي بدأت منذ الصغر، فيقول: «كانت أسرتي تطلق علي لقب الذواقة، ويتركون لي مهمة تقييم الطعام واختيار أصنافه، لكثرة متابعتي لقنوات الطهي في التلفزيون، مع إجادتي الطبخ أيضا».

ويضيف: «الدخول إلى مجال نقد الطعام ليس سهلاً، كما يعتقد البعض، فأنا حصلت على دبلومات عدة في فنون الطهي من مصر وفرنسا وإنجلترا، بالإضافة إلى الماجستير في مجال الابتكار في الطعام من إيطاليا، كما سافرت لأكثر من 27 دولة، للاطلاع على مدارس الطهي في كل منها، وانضممت إلى جمعية (الذواقة الفرنسية)، بعد اختبارات عدة، كما درست أيضا فنون الضيافة، ونماذج كتابة قوائم الأسعار، حتى تأثير (النادل) ذاته على جودة الطعام، هذه التفصيلات الصغيرة قد تؤثر على صحة ومناعة الشخص لفترات ربما تكون طويلة».

وذهب حلمي –الذي يستعد لاحتراف المهنة بتقديم برنامج على إحدى الفضائية قريباً- إلى أن «طهاة المطاعم يخشون نقاد الطعام»، وقال: «نهتم بشكل كبير بحقوق المستهلكين»، وبالتالي فإن هذه المهنة «تعمل على زيادة حدة المنافسة نحو تقديم طعام جيد للزبائن، لكن تحقيق ذلك يتطلب الكثير من المهارات، من بينها القدرة على الكتابة النقدية، فضلاً عن الحصول على قدر كاف من العلم بفنون الطهي وأدواته ومتطلباته، مع المعرفة بثقافات الشعوب في الطعام، وقبل كل ذلك التمتع بحاستي شم وتذوق شديدتين».

واستهل حلمي مسيرته مع التذوق بصفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» منذ 5 أعوام تهتم بمجال نقد الطعام، لتوثيق تقييمه للأكلات، ما مهد له الطريق في التخصص في هذا المجال.

وتحدث حلمي عن تأسيسه نادي «الذواقة المصري»، وقال: «هذه الفكرة جاءت بالصدفة، عندما كنت في دورة تدريبية بإيطاليا عن مطابخ بلاد المتوسط، ففوجئت بعدم ذكر اسم المطبخ المصري في العرض».

وحول كيفية عملهم في السوق، قال حلمي: «يتلقى (نادي الذواقة) دعوات لتقييم أكلات في حفلات مطاعم شهيرة، لكنه يرفض، لأن الناقد لا يقيّم الطعام بميعاد مسبق، بل يذهب إليها في سرية ويدفع أجر الخدمة التي حصل عليها، ويتقاضى أجره من مكان عمله فقط».

وتطرق حلمي إلى الأخطار التي تواجههم، فقال: «تعرضت لكثير من المضايقات، وتلقيت تهديدات من مسؤولي مطاعم كبيرة، أحدهم أتلف سيارتي، بسبب تقييماتي لمستوى الخدمات التي يقدمونها»، مستدركاً: «في المقابل نلت أيضا استحسان أماكن أخرى باتت تحظى بشهرة بعد عرضي أصنافها».

واستكمل: «التقييم يختلف باختلاف نوعية المطعم، فلا يصح تقييم مطعم وجبات سريعة على أساس طريقة التقديم، أو أن تطلب مستوى عاليا من النظافة والتعقيم في عربة فول، الأمر يعتمد بشكل كبير على جودة الطعم، والسعر، وطريقة التسوية، وغير ذلك من المعايير».

ولفت حلمي إلى أن (نوع المطبخ) يدخل ضمن التقييم... «فالأكل الشرقي بوجه عام له معايير مغايرة للمعايير الغربية»، لكنه قال: «الشعوب الفقيرة غالبا باتت تأكل لمجرد العيش، ولا تعطي أهمية كبيرة للحرفية والعوامل الجانبية»، لذا يرى حلمي أن الأكل الشرقي المقدم في المطاعم الآن «لا يعبر عن جماله وأصوله وتراثه المعهود، ويحتاج إلى إعادة تقييم لاسترجاع هويته من جديد ومنافسته عالمياً».

وأكد أن المطابخ المصرية واللبنانية والإيطالية واليابانية والفرنسية الأفضل بالنسبة لناقد الطعام، لتفرد كل منها بطابع ومذاق خاص، خاصة في الباستا والأكلات المحشوة بالأزر، كما يحرص في إعداده عزائمه الخاصة على دمج وصفات المطابخ لاختراع أكلة جديدة ومختلفة، تحمل أكثر من نكهة، ويحل أصدقاؤه فيها محله في نقد طعامه، كما أن يمارس الطهي في منزله، ولن يكف عن ذلك «إلا في حالة زواجه من طاهية محترفة».

وانتهى ناقد الطعام عمرو حلمي إلى أنه دشن مبادرة تحت اسم «لف مصر»، شملت 90 متطوعاً لتذوق الأطعمة التقليدية في محافظات مصر، بدأت من واحة سيوة بمحافظة مرسى مطروح، وتعرفوا خلالها على أبرز المحاصيل والأكلات الشعبية التي يعتمد عليها الأهالي، ليكتشفوا للمرة الأولى أن هناك أكلات مصرية تدعى «البسيس» و«الدشيش» و«التانقوطعت»، ولفت إلى أن «معرفة هذه الأشياء تطلبت الكثير من الجهد والاهتمام، لكنها كانت هامة لإعداد سفراء يروجون للسياحة الغذائية في مصر».