ليون برخو


النفط لا يزال السلعة الأكثر أهمية في العالم. واتجاهات أسعار النفط تبقى الأكثر مراقبة من قبل الاقتصاديين والسياسيين والمحللين في شتى أرجاء المعمورة.

ولا حاجة إلى سرد ما يملكه الذهب الأسود من قيمة، لكن إن أخذنا في الحسبان التقلبات في أسعار النفط منذ استهلال القرن الحادي والعشرين وحتى يومنا هذا لوصلنا إلى استنتاجات هي من الأهمية بمكان.

نحن في عام 2018، في غضون نحو 18 سنة، شهد منحنى الأسعار تقلبات مذهلة قد تكون مؤشرا لما يخبئه المستقبل لهذه المادة الاستراتيجية.

دخلنا القرن الحادي والعشرين والأسعار متدنية جدا؛ حيث وصل سعر البرميل إلى نحو 25 دولارا.

ولم نكد نصل إلى عام 2008 وإذا بالنفط يقفز إلى أرقام ثلاثة، وكاد أن يعبر حاجز 150 دولارا.

وبعدها بقليل؛ أي نحو نهاية عام 2008، هبطت الأسعار فجأة ووصلت إلى نحو 40 دولارا للبرميل.

في عام 2009، عادت الأسعار إلى الارتفاع، واستمر صعود النفط خمس سنوات تقريبا حتى وصل إلى 125 دولارا للبرميل.

بعد خمس سنوات من الصعود؛ أي عام 2014، هبطت الأسعار مرة أخرى وبشكل مفاجئ، وبدأت تحوم حول نطاق 30 دولارا للبرميل أو أدنى من ذلك.

ولم تمض أربع سنوات على الهبوط الحاد هذا حتى بدأت الأسعار في الارتقاء إلى حافة 80 دولارا للبرميل، وهو السعر الحالي الذي نعيشه الآن.
وكمراقب لأسعار السلع ولا سيما الطاقة منها، لم ألحظ الكم الهائل من التقارير والأخبار والأبحاث التي رافقت تقهقر الأسعار في العقود الأخيرة مثل الذي رافق انحسارها منذ عام 2014.

وأغلب هذه الكتابات كانت ذات مسحة تشاؤمية تحذيرية، إن أيام الأسعار المجزية للنفط قد ولت دون رجعة.

ووصل الأمر ببعض المحللين والكتاب إلى وضع سيناريوهات مخيفة، منها مثلا أن السعودية، التي تقبع على قمة منتجي النفط في العالم، وتشكل موارده بالعملة الصعبة لبّ ميزانيتها مقبلة على الإفلاس.

وبعض التحاليل كانت محبطة للغاية إلى درجة أن المملكة قد خرجت من معادلة كونها الخزان الاستراتيجي للنفط في العالم، وأن أنواعا أخرى من الطاقة الهيدروكربونية من الرمل والصخر في طريقها إلى إزاحتها.

وربما وقع بعضنا من كُتاب الرأي والمقالات ضحية لما كانت تجتره الجرائد ومراكز الأبحاث والقنوات والوكالات الإخبارية الغربية من محتوى سلبي عن مسار الأسعار ومستقبل المنتجين.

نحن الآن في نحو منتصف عام 2018، وإذا بنا نلحظ أن العالم وعلى رأسه دول عظمى تتوسل إلى المملكة لكبح جماح فوران الأسعار للمرة الثالثة في غضون 18 عاما.

وبدلا من توقعات حول ميزانية خاوية استنادا إلى انتكاسة الأسعار عام 2014، أخذ المحللون يتحدثون الآن عن وفرة كبيرة في العملة الصعبة، ويضعون سيناريوهات لميزانية متخمة في المستقبل القريب.

السعودية التي تملك المفتاح للتأثير في الإنتاج والتصدير والأسعار مقبلة على طفرات في موازنتها، ولنا أن نتخيل ماذا ستكون الحال عند نجاح الخطط الموضوعة لتنويع الاقتصاد والموارد خارج نطاق واردات النفط.

ولنا أن نتخيل أيضا كم أصبحت القيمة السوقية لشركة أرامكو الآن بعد استعادة الأسعار عافيتها، والتوقعات أن الطفرة الحالية قد تستمر، وأن سعر البرميل قد يحط مرة أخرى عند مستوى 150 دولارا أو أكثر.

السلع وحتى الاستراتيجية منها، مثل النفط، عرضة للتقلبات التي تحصل نتيجة تغييرات سياسية واقتصادية ومستويات العرض والطلب والتوجهات المختلفة في العلاقات الدولية.

وإن علمنا أن عالم اليوم واقع تحت رحمة السياسة البراجماتية التي تأخذ المصلحة والمنفعة في الحسبان، لصار جليا لدينا أن الثبات في الموقف قد لا يدوم.
وكذلك فإن هبوط أو صعود الأسعار تحصيل حاصل، بيد أننا لو راقبنا السنين الثماني عشرة من القرن الحالي، لرأينا أن الصعود أكثر احتمالا من الهبوط عند تعلق الأمر بأسعار النفط.

لكن لا يجوز أن تصبح هذه المعادلة أو هذا الاستنتاج وسيلة للاستكانة والركون والاعتماد على النفط كمورد أساسي للدخل.
على أبناء وبنات السعودية النهوض ومن ثم الركض والهرولة والوقوف خلف "رؤية 2030"، التي تكون فيها لكل مواطن مساهمة في ميزانية دولته، ودخلها الوطني الإجمالي، وليس فقط موارد النفط.

عندها سيكون النفط كنزا لا يفنى ريعه لهذا الجيل والأجيال القادمة، وتبقى "أرامكو" واحدة من كبريات شركات الدنيا إن لم تكن أكبرها.