أسعد عبد الرحمن

منذ سنوات يركز الإسرائيليون، الساسة منهم والعسكريون، على مسألة «الخطر الديموغرافي»، لأسباب عديدة أبرزها ثلاثة: أولها، المخاوف الإسرائيلية من تعاظم الوعي القومي المتنامي لدى فلسطينيي 48 ومطالبهم بالمساواة في الحقوق وبأن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها وليست دولة تمييز عنصري ولليهود فقط. وثانيها، الدعوات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الداعمة لسياسة الاستيطان ولضم الضفة الغربية المحتلة بأقل عدد ممكن من أصحابها الفلسطينيين. وثالثها، فشل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تحقيق التوازن الديموغرافي رغم الإغراءات التي تقدمها إسرائيل والوكالة اليهودية لزيادة عدد الولادات ولجلب مهاجرين جدد، بل إن عدد الراغبين في الهجرة المعاكسة قد تزايد.

لقد أوضح «مركز الإحصاء الفلسطيني»، في تقريره عن مجمل أوضاع الشعب الفلسطيني، أن عدد الفلسطينيين بعد 70 عاماً على النكبة تضاعف أكثر من 9 مرات، حيث بلغ عددهم في العالم نهاية عام 2017 حوالي 13 مليون نسمة، أكثر من نصفهم (6.36 مليون نسمة) في فلسطين التاريخية (منهم 1.56 مليون في فلسطين 1948). كذلك، وفق تقرير «الإحصاء الفلسطيني» للعام 2017، بلغ عدد السكان في الضفة الغربية (بما فيها القدس) 2.9 مليون نسمة، وحوالي 1.9 مليون نسمة في قطاع غزة. وبناء على هذه المعطيات، يشكل الفلسطينيون حوالي 49.4% من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية. بالمقابل، ووفقاً لمكتب «الإحصاء المركزي الإسرائيلي»، بلغ عدد سكان إسرائيل، في بداية العام الحالي، 8.8 مليون نسمة، بينهم 6.6 مليون يهودي (الرقم يشمل المستوطنين في الضفة الغربية) و400 ألف غير معرَّفين دينياً ممن هاجروا إلى إسرائيل بموجب «قانون العودة» وغالبيتهم من دول الاتحاد السوفييتي السابق. وحسب «الإحصاء الإسرائيلي»، بلغ عدد العرب في «دولة إسرائيل» 1.8 مليون نسمة، بينهم الفلسطينيون في القدس الشرقية المحتلة، والسوريون في هضبة الجولان المحتلة.

الهاجس الديموغرافي هو من أكثر ما يقلق الإسرائيليين. وقد عمَّقت إحصاءات «الإحصاء الفلسطيني» السجال في إسرائيل حول التوازن الديموغرافي بين العرب واليهود بفلسطين التاريخية، حيث سارع مؤيدو «حل الدولتين» للتأكيد مجدداً على ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين للحفاظ على يهودية الدولة، فيما أتى الرفض من اليمين الحاكم الذي كذَّب هذه الأرقام ملوِّحاً من جديد بفزاعة «الخطر الديموغرافي»، لتبرير موقفه الرافض لمنح الفلسطينيين دولة مستقلة. وفي هذا، يرد المحلل السياسي «عكيفا الدار» بالقول: «بالتوازي مع تكثيف الاستيطان واستقدام المزيد من اليهود، ستتعمد حكومة بنيامين نتنياهو مزيداً من شيطنة الطرف الفلسطيني، وتوظيف الشيطان الديموغرافي للتهرب من استحقاقات أي تسوية مستقبلية، لكن إسرائيل التي لا تدخر جهداً لدق إسفين الخلاف بين أبناء الشعب الفلسطيني، تصطدم بالاحتلال والتمييز العنصري والآبارتايد». ثم يضيف: «المشاريع الاستيطانية واستقدام اليهود، ما عادت لتحسم صراع الديموغرافيا، إذ يعمل الشيطان الديموغرافي جنباً إلى جنب مع توأمه، شيطان العنصرية، لإثبات أن الهوية اليهودية الصهيونية لا تسير جنباً إلى جنب مع الديمقراطية والمساواة».

وقد لفت الخبير السكاني في الجامعة العبرية، البروفيسور «سيرجيو ديلا فيرغولا» إلى أنه اعتماداً على التوقعات الديموغرافية لـ«الإحصاء الإسرائيلي»، سيصل «عدد اليهود بين النهر والبحر إلى 16 مليوناً بحلول العام 2065، والعرب إلى 13 مليوناً، ما يعني أن عدد السكان في هذه المنطقة سيصل إلى قرابة 30 مليوناً. لكن في حال أصبح نمو الحريديم أكثر اعتدالا، نتيجة لزيادة مشاركتهم في المجتمع وسوق العمل، فإن وتيرة نمو السكان اليهود ستتباطأ ونسبة السكان العرب سترتفع». ويحذِّر الخبيرُ: «الصورة ستتغير إذا تم شمل المناطق الفلسطينية وسكانها. فإذا أضفنا كل منطقة الضفة الغربية وكل سكانها إلى إسرائيل، ستتقلص الأغلبية اليهودية إلى 60%، ما يجعل مصطلح (دولة يهودية ديمقراطية) فاقداً لمعناه عملياً، وإذا أضفنا سكان غزة، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 50% وسيصل مشروع الدولة اليهودية إلى نهايته».

من جانبها، قالت عضو «الكنيست» «تسيبي ليفني»، من حزب «المعسكر الصهيوني»، إنه «حان الوقت لكي يدرك الإسرائيليون عواقب المساواة الديموغرافية. إذا لم تستيقظ إسرائيل من أوهام ضم الضفة الغربية، كما ينادي اليمين، فستخسر الأغلبية اليهودية». أما زميلها «نحمان شاي» فقال: «إن تساوي عدد اليهود والعرب بين نهر الأردن والبحر المتوسط، هو بمثابة إنذار أخير لكل القلقين على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية».

وفي نهاية المطاف، المسألة ليست فحسب مسألة أعداد وأرقام! فالعالمان الإسلامي والعربي أعدادهما مهولة، وسلاحهما ربما أعظم مما تملكه إسرائيل، لكن المسألة تكمن في عملية الإعداد والاستعداد. وهنا، وحتى اللحظة، يكمن مقتل هذين العالمين. كذلك، نحن نعيش اليوم في عهد اليمين الأكثر تطرفاً في إسرائيل وأيضاً في ظل وجود «إدارة أميركية ليكودية الجوهر»، وعليه لا يمكن استبعاد عمليات إخلاء واسعة المدى تخوفاً من الخطر الديموغرافي، سواء في فلسطين 48 أو الضفة الغربية بما فيها القدس، وبالذات إذا ما اندلعت حرب إقليمية واسعة. إذن، علينا تثبيت الفلسطينيين في أرضهم ودعم تجذرهم وتقديم العون لهم لمقاومة الاحتلال، بما في ذلك المسيرات الشعبية التي تشهدها فلسطين وغيرها من أساليب المقاومة الشعبية في الداخل، والتحركات السياسية في أروقة الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية، مع التأكيد على أن المشروع الوطني الفلسطيني يعاني حالة من الانسداد وفقدان الاتجاه، انعكست سلباً على قدرته على العمل والاستفادة من الإمكانات الهائلة الكامنة في الشعب الفلسطيني، لذا فربما نكون أمام «الفرصة الأخيرة» لإنهاء الانقسام الفلسطيني، وبالذات في ظل التنافس المحموم على الديموغرافيا وغياب عملية سياسية تنهي الصراع، وتمسك اليمين الإسرائيلي بمشروع يهودية الدولة وبالتالي زيادة عدد الإسرائيليين باستقدام اليهود والتقليل من عدد الفلسطينيين.