علي بن محمد الرباعي

لعل تبجيل الماضي بكل ما عليه أحد مؤشرات الإحباط التي يعاني منها البعض، ولو رصدنا الواقع بكل معطياته الآنية على مستوى الأمم والشعوب والدول، فأجزم أن البعض سيذهب إلى أننا اليوم صورة من التاريخ الموغل في الماضوية، بمعنى أننا لسنا في حاجة إلى استعادة التاريخ على سبيل العظة والعبرة، فالحالات والحوادث والأزمات التي مر بها العرب والمسلمون قديماً ماثلةٌ للعيان، وما قرأناه رأيناه وسنراه.

نعلم أن تاريخنا العربي لا يخلو من إضاءات إلا أنها استثناء، في ظل قاعدة عامة من الحروب والصراعات والغزو (وأحياناً على بكر أخينا، إذا ما لم نجد إلا أخانا)، وبعد العهد النبوي وقعت خلافات لم تكن في الأصل شرعية، بل هي دنيوية وسياسية ارتبطت بتنافس القبائل على الوجاهة، ومن السياسي انطلقت الخلافات العقدية فخرجت الفرق والمذاهب التي ربما لم يتم حصرها ولكل منها أدلته على صحة وسلامة ما ذهب إليه، إما حقيقةً أو انتساباً.

وقعت بين الأمويين والعباسيين مقتلة وحشية، طاولت موتى في قبورهم، وباستقراء التاريخ القريب، نكاد نجزم أن ردود أفعال المستعمر الغربي على العرب، وما لحق بشرقنا الأوسط طيلة قرن كامل تتحمله الخلافة العثمانية بسبب ما سفكت من دماء وما أحدثه جيشها الانكشاري من انتهاكات خصوصاً في نواحٍ من أوروبا الشرقية ودول البلقان.

ويبقى الفرق بين زمنين أن أحدهما مدون في الكتب والوثائق والآخر متمدد على حيز جغرافي من الكرة الأرضية، ولا أستطيع الجزم بأن التاريخ تعرض لعمليات تجميل، أو تشويه، لكني وأنا أقرأ عن غزو التتار لبغداد، وأستحضر ما عشته وعايشته من أحداث العراق منذ 2003، تتلبسني حالة ما أن الفترات المؤلمة من التاريخ تعاد وتستعاد، وأستعيد مشاهد من الحروب الصليبية وأنا أرى ما يحدث في سوريا، ولربما ليس للأحداث جديد تقدمه فتعيد نفسها.

بالطبع لا يمكن قراءة التاريخ موضوعياً ومرجعياً دون إثباتات توثّق ما جرى، والآثار لو تتبعناها سنجد منها ما هو مكتوب وما هو مخطوط، ومنها ما يحتمل صدقه ومنها ما نتوقع كذبه، ومفردة التاريخ بذاتها إشكالية بحكم تعدد معانيها بدءاً من الوقت وليس انتهاءً بتدوين الأحداث، ويبقى السؤال القائم: ماذا ورثنا من التاريخ؟