قُتل شخصان، وجُرح عشرات، في الاحتجاجات ضد تفشي الفساد التي تمددت في جنوب العراق، ودخلت أسبوعها الثاني، أمس، وسط محاولات لاقتحام مقرات إدارية وحقل للنفط، رغم إعلان الحكومة إجراءات تنموية لاحتواء الاضطرابات.
وقال مسؤول أمني إن اثنين من المحتجين قُتلا في اشتباكات مع قوات الأمن العراقية في بلدة السماوة، أمس، وأضاف لوكالة «رويترز» أن «مئات الأشخاص حاولوا اقتحام مبنى محكمة. جرى إطلاق النار علينا. لم يتضح من الذي يطلق النار. لم يكن أمامنا أي خيار سوى إطلاق النار».


وحاول متظاهرون اقتحام مبنى محافظة البصرة، في وسط المدينة، لكن الشرطة فرقتهم بواسطة قنابل الغاز المسيل للدموع، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتصدت قوات الأمن لاحتجاجات على بعد نحو 4 كيلومترات من حقل الزبير النفطي، الذي تديره شركة «إيني»، قرب البصرة.
وقالت مصادر في الشرطة إن 40 شخصاً أصيبوا، 3 منهم برصاص حي. وأفاد مسؤولون محليون بأن الاحتجاجات لم تؤثر على إنتاج النفط في مدينة البصرة، التي تدر صادرات النفط منها أكثر من 95 في المائة من عائدات العراق. ومن شأن أي تعطل للإنتاج أن يلحق ضرراً شديداً بالاقتصاد المتعثر، ويقود أسعار الخام العالمية للارتفاع.
وانطلقت مظاهرات في البصرة لليوم الثامن على التوالي احتجاجاً على البطالة ونقص الخدمات، ولا تزال شبكة الإنترنت مقطوعة لليوم الثاني في جميع المحافظات.
وفي محافظة ذي قار، قال معاون مدير صحة المحافظة، عبد الحسن الجابري، إن مواجهات اندلعت أمس بين متظاهرين وقوات الشرطة أمام مقر المحافظة، ما أسفر عن سقوط 15 جريحاً من المتظاهرين، و25 في صفوف الشرطة.


واتخذ المتظاهرون خطوة غير معتادة، وهي مهاجمة مبان تابعة لجماعات مسلحة شيعية نافذة، إضافة لمقرات حكومية محلية. وأعلن مصدر في الشرطة في محافظة المثنى أن مئات من المتظاهرين تجمعوا أمام مبنى المحافظة، وأقدم بعضهم على إحراق وتدمير أجزاء من المقر، وأضاف أن متظاهرين آخرين أقدموا على إحراق مقر لميليشيا «منظمة بدر» المحسوبة على إيران.
وفي النجف، سارت مظاهرة صباحاً، لكن قوات الأمن عملت على تفريقها، في حين لوحظ انتشار كثيف لـ«سرايا السلام» في شوارع المدينة. وفي كربلاء، تجمع متظاهرون ليلاً أمام مجلس المحافظة، حيث اندلعت مواجهات مع قوات الأمن، أسفرت عن سقوط 30 جريحاً.
وعقد رئيس الوزراء حيدر العبادي، أمس، اجتماعاً مع الوزراء والمسؤولين الأمنيين، أكد خلاله أن «العراقيين لا يقبلون بالفوضى، وبالاعتداء على القوات الأمنية وممتلكات الدولة والممتلكات الخاصة، ومن يقوم بهذا الأمر أشخاص مخربون يستغلون مطالب المواطنين لإحداث ضرر».


وأضاف أن «التظاهر السلمي حق للمواطن، ونحن نستجيب له، لكن إخراج المظاهرات عن سياقاتها، بحرق بنايات مؤسسات الدولة وقطع الشوارع وحرق الإطارات والاعتداء على القوات الأمنية، يمثل محاولة لإرجاع البلد إلى الوراء، فهناك جهات من الجريمة المنظمة تهيئ لإحداث حالة فوضى»، ودعا «كل الأجهزة الأمنية إلى أن تكون على أهبة الاستعداد لأن الإرهاب يريد أن يستغل أي حدث أو خلاف»، مؤكداً «أهمية العمل الأمني والاستخباراتي».
وقرر وزير الداخلية قاسم الأعرجي إقالة قائد شرطة النجف، حسبما أفادت وسائل إعلام عراقية. ونقل موقع «السومرية نيوز» الإخباري، أمس، عن المصدر قوله إن الأعرجي كلف اللواء علاء غريب بإدارة شؤون مديرية شرطة المحافظة.
كان العبادي قد أصدر بياناً، مساء أمس، طلب فيه «توسيع وتسريع آفاق الاستثمار للبناء في قطاعات السكن والمدارس والخدمات، وإطلاق درجات وظيفية لاستيعاب العاطلين عن العمل، وإطلاق تخصيصات مالية لمحافظة البصرة بقيمة 3.5 تريليون دينار فوراً (نحو 3 مليارات دولار)». كما وجّه بإطلاق «تخصيصات للبصرة لتحلية المياه، وفك الاختناقات في شبكات الكهرباء، وتوفير الخدمات الصحية اللازمة».
ويضع هذا الغضب المتنامي العبادي في موقف صعب، في وقت يأمل فيه بولاية ثانية عندما يشكل الساسة العراقيون حكومة ائتلافية جديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم 12 مايو (أيار) الماضي.
وانتقد محتجون حزب «الدعوة»، الذي ينتمي إليه العبادي، والذي هيمن على المشهد السياسي العراقي منذ الغزو الأميركي في 2003. وقال زياد فضيل (38 عاماً)، وهو عاطل عن العمل، إن «حزب الدعوة يحكم العراق منذ 15 عاماً، وقادته لم يتمكنوا من الوفاء ولو حتى بوعد واحد من الذي قطعوه».


وقال أسامة عباس (25 عاماً)، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل: «منذ سقوط صدام في 2003 حتى الآن، الشيء الحقيقي الوحيد الذي يقوله الساسة الشيعة هو أكاذيبهم... ما زلنا نشرب مياه قذرة، ونسينا ما الذي يعنيه تكييف الهواء خلال الصيف».


وفي حين أمر العبادي، أمس، بإعادة فتح مطار مدينة النجف الذي كان محتجون قد اقتحموه يوم الجمعة، وأوقفوا مؤقتاً حركة الملاحة الجوية، علقت شركات طيران أمس رحلاتها إلى المدينة. وذكرت شركة الخطوط الملكية الأردنية، في بيان، أنها علقت 4 رحلات أسبوعياً إلى النجف بسبب الوضع الأمني في مطارها. وحذت شركة «فلاي دبي» الإماراتية حذوها، فيما ذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أنه سيجري تحويل مسار الرحلات الإيرانية المقررة لمدينة النجف إلى بغداد.
وفي الكويت، أعلن رئيس مجلس الأمة (البرلمان)، مرزوق الغانم، عن عقد اجتماع في مكتب مجلس الأمة بين النواب والحكومة غداً لمناقشة طلب نيابي حول مدى استعدادات الكويت للاحتمالات كافة بشأن الأحداث والتطورات الحالية في الجانب العراقي.