عامر ذياب التميمي 

مر يوم 14 تموز (يوليو) من العام الجاري من دون إحتفالية تذكر في أي من المدن العراقية. كما هو معلوم أن هذا العام يعني مرور ستين عاماً على إنقلاب، أو ثورة، 14 تموز عام 1958 عندما إسقط النظام الملكي.


منذ ذلك الحين لم تستقر الأوضاع السياسية في العراق بما يمكن من إنجاز مشروع تنموي تستحقه البلاد... العراق من أهم البلدان المنتجة والمصدرة للنفط، وقد بدأ الإنتاج في كركوك عام 1927، بعد أن تأسست شركة نفط العراق بمساهمة شركة البترول البريطانية BP وشركة شل Shell الهولندية، وشركتي موبل وستاندر أويل أوف نيوجرسي Mobil &Standard Oil Of N.J.

تعزز الإنتاج النفطي في العراق على مدى السنوات والعقود اللاحقة بما مكن الحكومة العراقية من تخصيص الأموال للإنفاق على التعليم والخدمات الصحية وتطوير البنية التحتية.

إن الحكومة في العهد الملكي كانت تخصص إيرادات النفط لمجلس الإعمار من أجل توظيفها في المشاريع الرئيسية. لكن هذه السياسات تبدلت بعد إستيلاء العسكر على السلطة في عام 1958، وانتهاج آليات الإقتصاد الريعي وتأميم البنوك والشركات، وتعطيل دور القطاع الخاص. يضاف إلى ذلك أن القطاع الزراعي الذي إخضع لقانون الإصلاح الزراعي عانى من تدهور الإنتاج وهجرة العمالة الزراعية إلى المدن الكبرى.

إن من أهم المظاهر المتغيرة في العراق منذ عام 1958 تلك المتعلقة بالأوضاع الديموغرافية. قبل ستين عاماً كان عدد سكان العراق لا يتجاوز 7 مليون نسمة، لكن يقارب سكان العراق في الوقت الراهن 39 مليون نسمة. يبلغ متوسط العمر في العراق Medium Age 21 سنة، أي أن 50 في المئة من السكان تقل أعمارهم عن 21 عاماً. كما أن معدل النمو السكاني يصل إلى 2.2 في المئة، وهو من المعدلات العالية، أما معدل الخصوبة فقد قدر بـ4.1 مولود للمرأة في سن الخصوبة.

لاشك أن الهجرة من الريف إلى المدن خفضت أعداد المواطنين في القرى والمناطق الريفية لكن ذلك لم يؤد إلى تمدين المهاجرين إلى المدن، التي أصبحت محاطة بمناطق سكن عشوائية تفتقر للخدمات الأساسية، وأرتفعت فيها أعداد العمالة الرثة والهامشية.

لقد ساهمت الحروب والنزاعات التي مرت بالعراق، ومنها ما يتصل بالحرب على الأكراد والحرب العراقية الإيرانية، ثم غزو وإحتلال الكويت، يضاف إليها الحرب ضد المنظمات الإرهابية بعد سقوط نظام صدام حسين بفعل التدخل الأميركي عام 2003، هذه النزاعات عطلت عملية التنمية البشرية ودهورت التعليم ودنت من مستوياته.

ماذا يحدث الآن في العراق بعد هذه العقود الطويلة؟ ولماذا يخرج العراقيون في مظاهرات مطلبية من أجل تحسين الخدمات وتوفير فرص العمل؟ ألا يعني ذلك فشل كافة الحكومات والأنظمة المتعاقبة في تنمية الإقتصاد العراقي على مدى هذه السنوات الطويلة؟..

تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي الإسمي «Nominal» نحو 202 بليون دولار في 2018، إذ يكون معدل دخل الفرد 5000 دولار وهو دخل منخفض في بلد يملك إمكانات إقتصادية جيدة.

هناك إمكانات جيدة لتنويع القاعدة الإقتصادية وتحفيز العمل في القطاع الزراعي، ويملك العراق إمكانات لتطوير صناعات تحويلية مهمة، ومنها الصناعات الغذائية والإنشائية، بالإضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص لتوفير المساكن وتنمية القطاع السياحي والخدمي في شكل عام. وبعد الإنتهاء من الحرب على الإرهاب يتعين على المجتمع السياسي أن يعزز الإستقرار والأمن وتطوير البنية المؤسسة والقانونية، التي يمكن أن تحفز الإستثمار المحلي والأجنبي، بما يوفر فرص عمل كافية للمتدفقين لسوق العمل، وكذلك توظيف الأموال اللازمة في المشاريع الخدمية والمرافق الكهربائية وتقطير المياه والخدمات العلاجية.

يقترب إنتاج النفط من حاجز الـ4.5 مليون برميل يومياً، وقد بلغت صادرات البلاد 57.5 بليون دولار، ومعلوم أن صادرات النفط تمثل ما يزيد عن 90 في المئة من قيمة هذه الصادرات.

وعندما عقد مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت هذا العام، وتقرر توفير أموال تقارب 80 بليون دولار، وتم التعهد بتوفير 30 بليون دولار من دول ومؤسسات وجهات دولية عديدة، فإن ذلك يجب أن يكون مسانداً لما توفره الحكومة العراقية من أموال من إيراداتها النفطية.

ما يجب التأكيد عليه هو أن العراق يجب أن يسعى إلى تحسين الإدارة الإقتصادية وإعتماد الشفافية في تخصيص الموارد، وبذل الجهود من أجل تحفيز الإستثمارات الخاصة، المحلية والأجنبية، بما يمكن من تجاوز المعضلات الإقتصادية الراهنة.

في طبيعة الحال، هناك العديد من العقبات والعراقيل التي تواجه التنمية في بلد مثل العراق تعرض على مدى ستة عقود لمشكلات سياسية وأمنية متنوعة، وتراجعت فيه عمليات التحضر والتنمية البشرية، لكن توفر الإرادة السياسية يمكن أن تنتشل البلاد من محنتها وترفع من مستوى الآمال لدى العراقيين.

*مستشار وباحث اقصادي كويتي