في 29 آذار (مارس)، يكمل حمزة يوسف (38 عاماً)، سنته الأولى على رأس "الحزب القومي الإسكتلندي" وحكومته في إدنبرة. وربما كان إنجازه الأكبر أنه لا يزال يقف على قدميه بين الأمواج المتلاطمة في بلاده من دون أن تتراجع شعبيته! وتبدو كفة الصعوبات الخارجة عن إرادته في أي جردة حساب منصفة راجحة على تلك التي صنعها بيديه.

فهو خلف نيكولا ستورجين التي لعبت دوراً استثنائياً في حياة إسكتلندا، ما جعل تعبئة الفراغ الذي تركته أكبر مما يستطيعه تلميذها. وبسبب الفارق بينهما، لم يأخذه الكثيرون على محمل الجد. وكانت له حصته من متاعب أخرى. واجه تحديات سياسية، كما تعرض لهجمات كان بوسعه تفادي جزء منها. ولكن لم يكن هناك مفر من تلك التي اعتبرها عنصرية لاحقته طوال حياته.

ورأى الوزير الأول أخيراً أنها عادت لتطرق بابه عند اتهامه أخيراً بالتبرع بـ250 ألف جنيه إسترليني لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ولمّح التقرير الذي نشرته صحيفة "التلغراف"، إلى أنه تعامل مع إرهابيين في سياق التبرع بهذه الأموال!

ويُذكر أنه متزوج من السيدة نادية القلة، وهي ثمرة زواج مختلط لأب فلسطيني وأم إسكتلندية.

وفي الماضي، نشر آخرون "روايات" تعلق أبرزها بصلات مفترضة له بتنظيمات تتخذ الإسلام غطاءً لتحقيق مآرب سياسية. والحقيقة أنه عمل بين 2008 و2009 مسؤولاً عن الإعلام لدى منظمة "المؤسسة الإسلامية في إسكتلندا" المنحلة منذ 11 عاماً. لكن ادعى بعضهم أنه أدى تلك الوظيفة لمصلحة "الرابطة الإسلامية في بريطانيا" التي تعتبر جزءاً من "حماس" و"الإخوان المسلمين". وذكرتها الحكومة البريطانية أخيراً بين المنظمات التي ينطبق عليها تعريف جديد وضعته لندن لـ"التطرف" وتعتزم اتخاذ إجراءات عقابية ضدها.

وقيل إن يوسف رتّب في عام 2008 لقاءً لرئيس "الرابطة الإسلامية" وقياديين إخوانيين مع وزير إسكتلندي. وزُعم أنه قدم في 2013 تبرعاً قدره 398 ألف جنيه إسترليني لمنظمة "الإغاثة الإسلامية" التي تعد إخوانية.

ثمة نقاط ضعف جوهرية في هذه الاتهامات. معظمها صادر عن جهات غير محايدة. مثلاً، الباحث سام ويستروب من أهم المروجين لـ"تطرف" يوسف، يعمل في "ملتقى الشرق الأوسط". وهذا مركز بحوث أميركي أسسه دانيال بايبس المؤيد لإسرائيل، ويتعاون مع البريطاني تومي روبنسون الذي يمتهن تأجيج كراهية الإسلام.

كما أن أصحاب هذه المزاعم يستشهدون بتغريدات منزوعة من سياقها فلا نعرف ما سبقها وما جاء بعدها ولماذا كُتبت الخ، ما يجعل تصديقها، أو دحضها، غير ممكنين، لمراقب موضوعي. كما يعتمدون على وقائع مفترضة يعود أحدثها إلى 2013، من دون أن يشيروا إلى أنه لم يحافظ على صلاته بتلك المنظمات بعد ذلك التاريخ.

والحقيقة أنه كان منذ 2008 جزءاً من ماكينة "الحزب القومي الإسكتلندي" وحكومته، كمستشار لرئيسها أليكس سالموند. وفي 2013، صار عضواً في وزارة سالموند الذي أسند إليه حقيبة الخارجية والتنمية الدولية. وليس من المعقول أن تعتبر قرارات مستشار الوزير الأول أو وزير خارجيته، شخصية نابعة من قناعات صاحبها. فمن يؤدي أياً من هذين الدورين سيكون ملزماً بالتصرف وفق سياسة الحكومة.

إلا أنه لم يكن دوماً الضحية البريئة أو السياسي الموفق دوماً. ويبدو أنه نشر في 2011 تغريدة على تويتر (سابقاً) للإعراب عن تأييده للإخوان المسلمين في مصر. غير أن سياق هذه التغريدة غائب، ومن الصعب معرفة سرها وما إذا دفعه الطيش إلى كتابتها أم أنه فعل ذلك تلبية لرغبة رئيسه.

من جهة أخرى، لعله صبّ الزيت على النار في الداخل. بدلاً من أن يعطي منصبين وزاريين لائقين لمنافستيه على الزعامة، كيت فوربس التي تغلب عليها بفارق ضئيل (نحو 4 في المئة) وآش ريغان، أقصى الأولى بطريقة غير مباشرة وتجاهل الثانية. وكانت النتيجة ظهور الحزب بمظهر المنقسم على نفسه في ظل زعيم عجز عن توحيد صفوفه.

ففوربس تواصل معارضته وتهدد بتحديه متى سنحت الفرصة، والثانية انشقت لتلتحق بـ"ألبا" حزب سالموند. وساهم استياء جناح اليمين من إبعاد فوربس مرشحته للزعامة، وقلقه من سياسات الزعيم اليسارية، في انشقاق ليزا كاميرون النائبة في مجلس العموم في أيلول (سبتمبر)، التي انضمت إلى حزب المحافظين. وربما كان انقسام الحزب من أسباب خسارته في انتخابات فرعية في تشرين الأول (أكتوبر) مقعداً آخر في المجلس نفسه.

في المقابل، ألغى بعض مشاريع القوانين التي وضعتها ستورجين وطرح تشريعاته هو كذاك الخاص بـ"جريمة الكراهية" الذي يثير جدلاً أدلى بدلوه فيه حتى إيلون موسك ناهيك بريشي سوناك. وحرص على إشراك زملائه في قيادة البلاد خلافاً لستورجين التي أبقت الخيوط كلها بيدها. وعلى الرغم من أزمة تكلفة المعيشة المتفاقمة، استطاع حماية البلاد من الركود الاقتصادي الذي تعانيه بريطانيا.

ويُسجل له أنه تصرف كرجل دولة حيال أحداث غزة التي حوصر خلالها والدا زوجته هناك. ونوّه فرايزر نلسون رئيس تحرير مجلة "سبيكتاتور" المحافظة شقيقة "التلغراف"، في مقالة عنونها "في مديح استجابة حمزة يوسف لإسرائيل"، باهتمام الوزير الأول بالمجتمع اليهودي المحلي، وتعزيته عائلة إحدى ضحايا "حماس" الإسرائيليين – الإسكتلنديين بقوله "ألمكم هو ألمي". وهو يدين الهجمات التي يعتبرها "إرهابية"، في الوقت الذي يندد بما تقوم به إسرائيل كما يشجب تأييد لندن الواضح لتل أبيب.

بيد أن نجاحاته لن تضمن له معالجة القضايا التي يخيم شبحها على ولايته ولا ذنب له فيها. وجهت استقالة ستورجين المفاجئة أولى الضربات القوية التي تعرض لها الحزب الحاكم، وحمّلت زعيمه عبئاً ثقيلاً لا يزال ينوء به. وسيجد نفسه أمام أزمة أعنف إذا جاءت نتائج تحقيق الشرطة في "اختفاء" 600 ألف جنيه من خزينة الحزب، غير مواتية، ذلك أن بيتر موريل زوج ستورجين أبرز المشتبه في علاقتهم بالأموال الضائعة. والخطر الآخر هو مراوحة شعبية مشروع الاستقلال منذ سنوات في حدود 50 في المئة. وقد يدفع يوسف، كسابقيه، ثمن العمل في سبيل تحقيق هذا الهدف البعيد المنال.

لم يعد الشاب المتسرع الذي كان في 2011، ولا الوزير الذي لم يكن أداؤه لافتاً دائماً ولا سيما في الصحة، أو السياسي الباهت الذي حل محل زعيمة كاريزمية. وظهر في مقابلات صحافية وإطلالات شتى، متحدثاً ذكياً وخطيباً لا تنقصه البراعة. هكذا علمته السنة الأخيرة، بمرها وحلوها، كيف يرسم معالم شخصيته المختلفة نسبياً عن ستورجين. وبدل أن ينحني أمام العواصف، حفزته التحديات على تطوير طاقات جديدة وصقل مهارات كامنة. فهل يبقى واقفاً؟