استفادت بيئات العمل من اختبارات الشخصية التي صار في مقدورها كشف جوانب خافية من شخصية الإنسان.

ومن أبرز هذه الاختبارات ما يطلق عليه مؤشر مايرز-بريغز MBTI الذي يقيّم كيف يتفاعل الفرد مع العالم من حوله، وكيف يجمع المعلومات، ويتخذ القرارات؟.

وينقسم إلى تصنيفات عدة، منها مدى انطوائيته أو انفتاحه أو أسلوب تفكيره ومدى حدسه واستكشافه وغيرها. وهذا كله يقام على أساس علمي. وقد جرب الاختبار ملايين البشر. وهو يساعد على تطوير فريق العمل وعناصره، وتحسن توجيه الموظف وظيفياً.

وهناك أيضاً اختبار ديسك DISC الذي يقيس السمات الشخصية عبر أربع فئات جوهرية وهي الهيمنة Dominance، والتأثير Influence، والاستقرار Steadiness، والامتثال Compliance لتحلل لنا أنماط سلوك الفرد.

وتستخدم هذه الاختبارات في رفع الوعي الذاتي، وبناء فريق العمل، وتحسين الأداء الجماعي، وإدارة النزاعات، والكشف عن جوانب في شخصيات القياديين أو المديرين وما شابه.

وحتى مواطن قوة الشخصية صار لها اختبار خاص ينقب عن محاسننا. يطلق strengths finder في أحيان كثيرة لتطوير الشخصية وبناء فرق العمل والتخطيط الوظيفي.

معضلتنا ليست في جوانب الضعف، بل في مواطن القوة التي لا يستفيد منها الإنسان. فهناك مدرستان في تطوير القدرات، الأولى: تركز على تقوية جوانب الضعف.

والثانية: ترى أن الاكتفاء بتحسين مواطن القوة في الشخصية أسهل وأسرع تأثيراً؛ لأنها تتسق مع طبيعة النفس البشرية.

مثل من يتحلى بالمقدرة الفطرية على التواصل الفعال، وكسب قلوب الزبائن والناس، أو من يتمتع بالكاريزما لا ينبغي أن يحيد عنها، بل يحسنها ليصل إلى آفاق من التألق في الأداء.

وكلتا المدرستين لهما اعتبارات وجيهة. غير أن مدرسة نقاط القوة تساعد الأفراد على تحقيق أقصى إمكاناتهم في ميادين التنافس المهني والحياتي، على اعتبار أن نقاط القوة موجودة أصلاً ولا تحتاج إلى محاولة استكشاف.

عندما تأمل علماء النفس السمات الرئيسية لدى البشر وجدوا أن هناك خمس سمات رئيسية Big Five تحدد أنماط شخصيته، وهي الانفتاح على التجارب (أي مدى فضوليته، إبداعه، حذره.. إلخ)، والضمير الحي (أي مدى فعاليته، سهولة معشر.إلخ)، والانبساط (أي مدى تحفظه، طاقته، انفعاليته..

إلخ)، والتوافق الاجتماعي (أي إلى أي مدى هو ودود، شغوف.. إلخ)، ومدى الانفعالية (أي حساسيته، قلقه، ثقته.. إلخ).

ويمتاز اختبار الخمسة الكبار الشهير بأنه مفيد في التنبؤ بالأداء الوظيفي والتوافق المهني، ويستخدم في عمليات الاختيار والتوظيف.

ويعد اختبار هوجان Hogan مجموعة من الاختبارات الفرعية التي تقيم الشخصية وأداءها في بيئات العمل.

منها الجوانب الشخصية التي تؤثر على كيفية تعامل الفرد مع زملائه وكيفية إدارته للضغوطات والتحديات اليومية، ومؤشر تقييم السلوكيات التي تظهر تحت وطأة ضغوطات العمل وكل ما من شأنه أن يعرقل مسيرة العمل.

ومؤشر يكشف الدوافع والقيم والتفضيلات الشخصية التي توجه قرارات الفرد وتحفزه على النجاح. باختصار Hogan Assessments هو مجموعة من ثلاثة اختبارات تقيس الشخصية الطبيعية، والمخاطر التي تعترضها تحت تأثير الضغوطات، والمحفزات المهنية.

ما أكثر الاختبارات التي تقيم أو تقيس جوانب من شخصياتنا. غير أنه من الأهمية التأكد من مدى دقة الاختبار وموثوقيته لضمان سلامة النتائج.

ويفترض أن دوافع استخدام هذه الاختبارات غرضها نبيل لتحسين الأداء، وتوجيه الأفراد، وليس تطفيشهم أو إيجاد ذرائع واهية للتخلص منهم! فالهدف هو المحافظة على العدالة في التعامل، والبعد عن التحيز ضد البشر بشتى فئاتهم.

كما أن الاختبارات ليست سوى جزء يسير من عملية شاملة وواسعة نلجأ إليها للوصول إلى قرارات توظيف أو تطوير وجيه، مثل المقابلات، والتقييم السنوي، والإنجازات، والسمعة، والشهادات، والجدارات وغيرها.

كما تجدر مراعاة الجوانب الاجتماعية للنتائج فسلوك المرأة المتحفظ أو الخجول يمكن أن يفسر في مجتمعات محافظة على أنه سلوك صحي، وينم عن تربية، في حين قد تعتبره مجتمعات أخرى بأنه سلوك غير محبذ.

ومن المهم تذكر أن هذه الوُرَيقات (الاختبارات) ليست سوى نقاط انطلاق للتطوير المهني وليست تصنيفاً نهائياً أو حاسماً. فأنا شخصياً أرى أنه من الغبن أن نكتفي بتقييم إنسان وتاريخه أو شخصيته وخفاياها على أرض الواقع بنتائج تقييم اختبار من دون أن نمنحه فرصة التجربة.

ولذلك تعطي معظم قوانين التوظيف حول العالم الفرد نحو مئة يوم للتجربة قبل تثبيته. فما يصفه لنا في ورق السيرة الذاتية عنه وعن سلوكيته أو إنجازاته قد لا يعكسه الواقع. عندئذ يكون للجهات الحق بالتراجع عن تعيينه من دون حاجة لإبداء الأسباب.

الاختبارات تكشف أطياف شخصياتنا. ويمكن القول إن التنوع في سمات الشخصية يثري بيئات العمل بالمهارات، والأفكار، والرؤى المنوعة. وذلك التنوع يعمق ويحسن التعاون والتواصل والتفاعل مما يولد فرصا للابتكار، وحل المشكلات والنظر إلى التحديات من زوايا مختلفة.