هل هناك نذر ومؤشرات لحرب عالمية ثالثة قريباً؟

للأسف، فإن الإجابة هي نعم. لم يعد ذلك الأمر مستبعداً، بل إن البعض يعتقد أن هذه الحرب العالمية قد بدأت فعلياً، لكن بصورة هادئة جداً، حينما دخلت القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير عام 2022.

لكن ما الذي جعل هذا السؤال يعود للأضواء مرة أخرى؟

هناك أكثر من مؤشر. الأول والأحدث هو حديث رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك يوم السبت الماضي لشبكة «لينا» الإعلامية بأن القارة الأوروبية دخلت حقبة ما قبل الحرب لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا.

توسك قال: «لم تعد الحرب مفهوماً من الماضي، إنها حقيقة، وقد بدأت منذ أكثر من عامين، والأكثر إثارة للقلق حالياً هو أن أي سيناريو ممكن الحدوث، فلم نشهد وضعاً كهذا منذ عام 1945.

أعلم أن الأمر يبدو مدمراً خاصة بالنسبة لجيل الشباب، لكن علينا أن نعتاد على حقيقة أن حقبة جديدة قد بدأت.. حقبة ما قبل الحرب. أنا لا أبالغ، فالأمر يصبح أكثر وضوحاً كل يوم».

كلام رئيس الوزراء البولندي مهم لأن موقع بلاده الجغرافي شديد الأهمية، وهي ملاصقة لأوكرانيا، بل هي الرئة التي تتنفس منها أوكرانيا برياً بسبب السيطرة الروسية على معظم موانئ البحر الأسود.

وبولندا هي الدولة الأولى التي تمردت على إمبراطورية الاتحاد السوفييتي العظمى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، عبر الاحتجاجات الشهيرة في ميناء غدانسك بزعامة ليخ فاونسا عام 1980 والتي قادت لاحقاً إلى استقلال بولندا عام 1989.

المؤشر الثاني هو أن روسيا تسجل انتصارات ميدانية متتالية في أوكرانيا خصوصاً بعد فشل الأخيرة في الهجوم المضاد طوال الأشهر الماضية.

وكان لافتاً لنظر الكثير من الخبراء أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي أعلن يوم السبت «30 مارس» أن بلاده مستعدة للتفاوض مع روسيا على حدود ما قبل الهجوم الروسي عام 2022، وهو ما يعني أنه مستعد للتنازل عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وبعض المناطق الموجودة بها أغلبية من السكان ذوي الأصول الروسية، لكن مقابل انسحاب روسيا من كل المناطق التي استولت عليها بعد بداية الحرب.

والمعروف أن القوات الروسية تسيطر على معظم أقاليم الدونباس ودونتسيك، وزابورجيا وخيرسون. لكن الرد الروسي جاء سريعاً على تصريحات زيلنسكي بأن الحقائق تغيرت على الأرض. والمعروف أيضاً أن أوكرانيا تشكو من نقص فادح في الأسلحة والذخائر التي يتوجه معظمها الآن إلى إسرائيل.

المؤشر الثالث هو ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً بأن بلاده تدرس إرسال قوات إلى أوكرانيا وتشعر بالقلق الشديد من ضعف القوات الأوكرانية.

وفي 12 يونيو 2023 قال ماكرون: إنه لا يمكن استبعاد أي شيء في سياق مساعدة أوكرانيا.

وفى 21 فبراير الماضي قال ماكرون على أي حال سأضطر إلى إرسال أشخاص إلى أوديسا. خطورة هذه التصريحات أنها تأتي تحديداً من ماكرون الذي قال في بداية الصراع:

«إنه لا ينبغي إذلال روسيا»، وكان دائم الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبسبب فشله في لعب دور الوسيط فقد قرر أن يعود إلى المربع الذي تقف فيه غالبية قادة الدول الأوروبية الذين يعتقدون أن نجاح روسيا في السيطرة على أوكرانيا سيجعل بلدانهم في مرمى الخطر الروسي.

ماكرون حاول التخفيف والتراجع عن تصريحاته خلال حوار مع صحيفة «نوفينكي» التشيكية في 5 مارس الماضي بقوله: «فرنسا لا تفكر بنشاط في إرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا».

ورغم ذلك فإن القلق الأوروبي لا يزال يتزايد كل يوم، ليس فقط بسبب الخطر الروسي ولكن بسبب الخوف أيضاً من عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض في انتخابات نوفمبر المقبل وضغطه على أوروبا من أجل زيادة ميزانياتها العسكرية والانخراط أكثر في الحرب في أوكرانيا.

المؤشر الرابع هو أن بوتين وقع نهاية مارس الماضي على وثيقة الاستدعاء 150 ألف جندي لأداء الخدمة الإلزامية العسكرية في فصل الربيع.

وكان قد وقّع أمراً في سبتمبر الماضي باستدعاء 130 ألفاً للخدمة العسكرية. وفي الربيع الماضي تم استدعاء 147 ألفاً. وحسب مسؤول روسي عسكري كبير فإن جميع الشباب الروسيين الذين تخطوا سن الـ18 عاماً سوف يخدمون لمدة عام في الجيش الروسي.

هذا القلق البولندي والأوروبي يمثل جانباً مهماً من مخاوف اندلاع حرب عالمية جديدة، لكن هناك عوامل قلق أخرى مهمة وخصوصاً الصراع الصيني الأمريكي، وأخيراً الحريق الكبير المندلع في منطقة الشرق الأوسط بسبب الهجوم الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي وحتى هذه اللحظة.