يقودك التفكير والاستغراق في البحث عن حلٍّ لمعضلة تواجهها إلى العثور على حلقة مفقودة بين أطراف المعادلة؛ بسبب الإدارة أو سوء الإدارة، حيث إن المسافة متقاربة بين فعل الإدارة وسوء الإدارة في كثير من الأحيان.

هناك حلقة مفقودة بين قطار الشمال (سار) بمستهدفاته وإستراتيجيته من جانب وبين شركات الطيران المحلي إلى مدن شمال المملكة؛ خاصة منطقة الجوف. هناك فجوة كبيرة ومتنامية بين الاحتياج لزيادة وتكثيف رحلات قطار الشمال ورحلات شركات الطيران. ومع ذلك، قررت شركات الطيران ذات الأسعار الاقتصادية الانسحاب من محطة الجوف فجأة ومتزامنةً، مخلِّفةً وراءها محطة الجوف لتنفرد بها الخطوط السعودية التي فرضت أسعاراً عالية، فلا أحد يعرف لتلك الأسعار مرجعية، وقد تكون بعيدة تماماً عن رقابة الأسعار وأنظار الجهات الرقابية؟

فهل الخطوط السعودية تتحمل مسؤولية ما يحدث أم أنّ من يتحمل أزمة نقل الركاب في محطة الجوف شركة ناس وشركة أديل، اللتان قررتا معاً وتزامنياً وفجأةً الانسحاب من محطة الجوف ومن سوق الجوف وربما من محطات أخرى، رغم علم الشركتين بما يترتب على قراراتهما المفاجئة من فجوة وفوضى وارتفاع أسعار.

ومن خلال تتبع الحلقات المفقودة التي تقف وراء أزمة نقل الركاب في محطة الجوف، نكتشف أن هناك محطة من محطات قطار الشمال (سار) في منطقة الجوف لكنها عديمة الفائدة وعديمة الجدوى، ولا نعرف إن كان ذلك ناتجاً عن مشكلة إدارية أم نتيجة مشكلة أخرى.

فلا أحد يستطيع أن يجد تفسيراً للغز المحير الذي تتكتم عليه سكة الحديد السعودية وقطار الشمال؛ وهو الإصرار على الاكتفاء بتسيير رحلة أسبوعية واحدة يتيمة إلى الجوف والقريات حتى بعد انسحاب شركات الطيران من محطة الجوف، فما هي مستهدفات قطار الشمال؟ إذا كان الهدف من قطار الشمال (سار) هو نقل الركاب بين مناطق المملكة، فما الذي يستفيده الركاب من رحلة يتيمة واحدة في الأسبوع إلى منطقة الجوف؟ وما هو العائد على رجل الأعمال أو المريض أو الزائر في المناسبات أو السائح من السفر في رحلة القطار التي لا تتوفر إلا مرة واحدة في الأسبوع؟ ولماذا لا يستطيع الراكب أن يسافر ويعود خلال يوم أو يومين من الشمال و إليه؟ أما إذا كان الهدف من قطار الشمال اقتصادياً، فما هي العبقرية الاقتصادية التي تكتفي بتسيير رحلة أسبوعية واحدة منذ سنوات على انطلاقة هذا الخط، رغم حجم سوق نقل الركاب خاصة بعد انسحاب شركات الطيران وبقاء شركة واحدة. فلماذا يظل قطار الشمال حاضراً غائباً، ولمصلحة من تبقى محطة قطار الجوف في قلب صحراء النفود بعيدة عن كل المدن؟ ومن المستفيد من إبعاد محطة الجوف عن أي مدينة وأي قرية من مدن الجوف وقراها؟ أتمنى أن بحث الأسباب في خلفية تأسيس محطة قطار الجوف في بطن الصحراء بعيداً عن أي مدينة من المدن الشمالية، مما يضطر المسافرون للسفر بالسيارة إلى تلك المحطة النائية؟

ومع استمرار تتبع الحلقة المفقودة في أزمة نقل الركاب في الشمال، لا بد أن يستوقفك حجم غياب التنسيق ربما بين النقل الجوي للركاب ونقل الركاب عبر قطار الشمال (سار). وغياب ربما دور تنسيقي واضح وملموس بين هيئة الطيران المدني والخطوط الحديدية، وإلا ما معنى هذه الفجوات بين شركات الطيران، وما معنى غياب التنسيق بين السكك الحديدية السعودية وهيئة الطيران المدني. فهل العلاقة بين شركات الطيران تنافسية أم تكاملية؟ وهل العلاقة بين الرحلات الجوية والرحلات عبر القطارات هي علاقة تنافسية أم تكاملية؟ ومتى تكون تنافسية ومتى تكون تكاملية؟ ولماذا تغيب وزارة النقل والخدمات اللوجستية عن حل هذا اللغز إذا كانت الإشكالية بين هيئة الطيران وسكة الحديد السعودية؟ وأخيراً، لماذا يتجاهل الإعلام في هيئة الطيران المدني والإعلام في قطار سار التعامل مع الإعلام بشفافية ووضوح؟