أرأيت طرافة الفيزياء الفلكية وظُرْف علمائها؟ على العربي أن يرفع يديه نحو السماء راجياً أن تمُنّ الأقدار على التنميات المتعثرة بخبراء تخطيط اقتصادي بأرقام الفيزيائيين، الذين يقيسون المسافات بالسنين الضوئية، ويعُدّون السنين بالمليارات. تطير فرحاً إذا فوجئت بأن بلداناً عربيةً أبدعت وزارات اقتصادها خططاً لما بعد مليون سنة. هذه عند الفلكيين «فركة كعب».

مجلّة «العلم والحياة» الفرنسية (12 إبريل) نشرت موضوعاً عن أحداث نهاية شمسنا بعد خمسة مليارات عام. هكذا استشراف المستقبل وإلاّ فلا. لقد فكّروا، مشكورين، في الآدميين بعد مئتي مليون جيل، بحساب ربع قرن للجيل. لكن حسابات الباحثين في جامعة «وارويك» البريطانية، تحتاج إلى تنقيحات، فبعد خمسة مليارات عام ستكون الشمس قد صارت نجماً قزماً أبيض. قبل ذلك بأكثر من مليار عام، تكون قد تضخمت وتمددت بحيث تبتلع الكواكب القريبة منها، مثل عطارد والزهرة، بعد نفاد طاقتها، ثم تفقد الغازات التي جعلتها تتمدّد فتصير نجماً قزماً أبيض. يغدو الاغتمام لمصير كوكبنا باطلاً، فالحياة على الأرض بعد ثلاثة مليارات عام ستكون مستحيلة. ستتبخر المحيطات لارتفاع الحرارة، سيكون القمر قد ابتعد كثيراً وأحدث آثاراً مدمّرة من بينها أن حرارة الأرض ستراوح بين ناقص ثمانين درجةً مئويّةً ليلاً، وأكثر من مئة نهاراً. تمسي الأرض تترنّح إلى ستين درجة ميلان، والرياح تجاوز الثلاثمئة كم/ساعة.

على طريقة «وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنعُ»، بعد 1.5 مليار سنة، سيكون على الأرضيين أن يلتحقوا بمن غادروا الكوكب، حتى ولو صار الآدمي مثل اللاّبتوب يتغذّى على عدد قليل من واتات الطاقة. الأهم في الحسابات المستقبلية هو أن الإنسان إذا ظل يتطوّر في عالم العلوم والتقانة على ما هو عليه حاضراً، فإن أعظم أدمغة الرياضيات والفيزياء والأحياء اليوم، لا يعرفون مثقال ذرّة ممّا سيكون عليه البشر بعد مئة ألف سنة. كيف ستكون الفيزياء بعد مليون سنة؟ فمن تُرى لديه علم بما ستكون عليه الخوارق العلمية بعد ألف مليون سنة؟ نحن نعرف كيف كان البشر في الغاب قبل مليون عام، أمّا بعد مليون عام أو مليار، فلا الخيال العلمي يدري، ولا العقل الجبّار، ولا الجنون.

لزوم ما يلزم: النتيجة العرفانيّة: إذا سألك أحد عن السفر في الزمن، فكن صوفيّاً، حدّثه عن روعة الترحال من غير جسد. ليت المناهج العربية تعلم.