ألغت الاتصالات الإلكترونية فصلاً جميلاً في حياتنا: ساعي البريد، أو البوسطجي في مصر. وكانت العاشقة تغني «البوسطجية اشتكوا من كُتر مراسيلي». مع الحداثة المفرطة والرسائل محسوبة الكلمات، غاب أيضاً أدب الرسائل، الذي كان جزءاً من حياة الأدباء والأديبات، يكشف الحميم منها، ويُستخدم في كتابة السير والتراجم بعدما مضى زمن على مرورهم في جبال النثر وروابي الشِّعر.

ها هي أميركا تكشف من جديد كاتبتها الأشهر إميلي ديكنسون من خلال رسائلها (هارفارد للنشر 1,304 رسائل) إلى الأهل والأحباء.

والنتيجة الكبرى لهذه الكشوفات هي إظهار أن ديكنسون لم تكن أبداً منعزلة عن العالم، بل كانت متفاعلة بحساسية مع الأحداث المحلية والوطنية. يمكن تفسير عزوفها لاحقاً عن رؤية الزوار مع تقدمها في السن، إلا أنها استمرت في خبز الزنجبيل لهم، ومراسلتهم على الأقل جزئياً، في رعاية أفراد عائلتها المرضى، أو الاهتمام بحالتها الصحية السيئة.

كانت بارعة ومرنة اجتماعياً، وكانت تتكيَّف بشكل طبيعي في مراسلاتها، وتتفاعل بسهولة ورغبة مع الناس من جميع الطبقات الاجتماعية. رسائلها إلى أفراد العائلة مليئة بالأخبار المحلية والشخصية. تجسد رسالة من عام 1850 إلى أبياه روت، وهي صديقة مقربة من ديكنسون في «ماونت هوليوك»، مرح الشاعرة.

«إن الظروف التي أكتب إليكِ في ظلها هذا الصباح هي في آن واحد مجيدة في الغايات، ومبتلية في الوسائل. لقد وُلد للتوّ رغيفان من الخبز في هذا العالم تحت رعايتي، طفلان جميلان هما صورة أمهما، وهنا يا صديقتي العزيزة يكون المجد».

تبدأ مقدمة الطبقة الجديدة للرسائل بعبارة: «كانت إميلي ديكنسون كاتبة رسائل قبل أن تكون شاعرة». ولكن ما يثبت أنه أكثر متعة لحظات من الفكر المتسع الذي قد يكون جوهرياً في قصيدةٍ فيما بعد. «كم هرب الصيف بسرعة، وأي تقرير حمله إلى السماء عن الوقت الضائع والساعات الضائعة؟ الأبدية وحدها هي التي ستجيب».

كان المقربون منها يعلمون أنها كانت تحفظ بملاحظاتها حول اللغة التي تثيرها، والتي يمكن تكييفها لاحقاً على أنها عبارة رسالة أو أسطر قصيدة.

الذي لم يقرأ أدب ديكنسون قد يقرأ رسائلها. وقد يكتشف أنها كانت ماهرة أيضاً في فنون الخبز والرغيف. لعل هذا الجزء من حياتها كان يمنحها الراحة النفسية أكثر من الشِّعر.