يرسم تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لهذا العام صورة لاقتصاد ما بعد الذكاء الاصطناعي يجدر بنا أن نتأملها، فبديلاً لمصنع صاخب بأصوات العاملين كما هو اليوم، علينا أن نتصور طنين الآلات المعدنية التي تدور وتدور في إيقاع واحد، آلات في مساحات مشحونة بهواء قيست حرارته بكفاءة حيث تقوم الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والأنظمة الآلية بتجميع المنتجات بسرعة، من الإلكترونيات إلى السيارات، بدقة وسرعة لا هوادة فيها، المشهد هو مثال للإنتاجية، وهو نتيجة مباشرة لدمج الذكاء الاصطناعي في قطاع التصنيع، هذا هو الوجه الجديد للاقتصاد، اقتصاد يعمل على (تيربو) الذكاء الاصطناعي.

خارج المصنع، وفي مكان ليس ببعيد، ترى منشآت تدريب في جميع أنحاء المدينة، فيها يتحلق مجموعة من الموظفين في منتصف العمر حول شاشة رقمية، إنها جزء من برنامج إعادة المهارات المصمم لنقل العمال من الأدوار التقليدية إلى المناصب المعززة بالذكاء الاصطناعي. هنا، لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الوظائف ولكنه يحولها، مما يتطلب مهارات جديدة وفهماً جديداً لمكان العمل، تهدف هذه البرامج، التي صممتها سياسات التحول الرقمي الحكومية بهدف التخفيف من حدة النزوح الناجم عن الأتمتة وضمان تطور القوى العاملة جنباً إلى جنب مع التقنيات الناشئة.

في مدينة أخرى، يعج مركز الابتكار الوطني للذكاء الاصطناعي بالنشاط، في هذا المركز، يتعاون رواد الأعمال والباحثون في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة حيث يسعى الجميع لبناء كيانات جديدة رائدة في السوق العالمية المعتمدة على التقنية، يدعم هذا المركز من خلال التمويل الحكومي والسياسات التي تعزز الابتكار عاكسة استراتيجية وطنية لتسخير الذكاء الاصطناعي من أجل الميزة التنافسية.

أخيراً، في غرفة مؤتمرات كبيرة، يناقش المندوبون الدوليون الأطر التنظيمية للذكاء الاصطناعي، يناقشون السياسات التي توازن بين الابتكار والاعتبارات الأخلاقية: الخصوصية والأمن والعدل، ستشكل نتائج هذه المناقشات كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره على مستوى العالم، مما يضمن اندماجه الآمن في المجتمع.

يوضح كل مشهد من هذه المشاهد جانباً حيوياً من مستقبلنا الاقتصادي مع الذكاء الاصطناعي، بعضه نراه يتحقق أمامنا، وبعضه يبدو حالماً وربما لا يتحقق على الصورة التي يصفها التقرير، يرسم التقرير صورة لعالم يعظم إمكانات الذكاء الاصطناعي وتأثيره في المجتمع، مشوباً بتطمينات لمستقبل يبدو غامضاً للكثير.

يرى التقرير، أن النمو الاقتصادي المدفوع بالذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى إنتاجية أعلى تفضي إلى تحديات مجتمعية لا بد من معالجتها بمسؤولية، ليس غريباً أن يفرط التقرير في التفاؤل بمستقبل الذكاء الاصطناعي، ويستبق الأحداث حول التحولات الاجتماعية الحادة، لكن رؤية المستقبل كما تعلمنا من التحولات الصناعية الكبرى في القرون السابقة أقل درامية، المستقبل ما زالت تحدده قرارتنا اليوم، فهو في متناول أيدينا، ولكي يتحقق كما نرجو لا بد من الإشراف المدروس والسياسات الشاملة والالتزام بالممارسات الأخلاقية.