ما الذي يعنيه تكرار التصريحات الأمريكية بأنها لم تشارك في الهجوم الإسرائيلي على إيران في وقت مبكر من صباح الجمعة «19 أبريل»، وأنها أيضاً لم تؤيده؟!

الإجابة المنطقية أن الولايات المتحدة تسعى بكل السبل إلى احتواء الصراع الإيراني الإسرائيلي وعدم تفجره، وحصر الأمور في قطاع غزة فقط، وربما جنوب لبنان.

من تابع رد الفعل الأمريكي غير الرسمي على ما قيل إنه هجوم إسرائيلي استهدف منشآت عسكرية إيرانية في مدينة أصفهان وسط البلاد، سوف يكتشف أن واشنطن سعت بكل الطرق لتوفير سلم ينزل عليه بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وأركان حكومته وقادة جيشه، بعد أن صعدوا على شجرة عالية في الأيام الأخيرة، في ما يتعلق بالمواجهة مع إيران.

من الملاحظات الجديدة بالتأمل أنه بعد مرور حوالي 24 ساعة من الهجوم الإسرائيلي، فإن تل أبيب لم تعلن عنه رسمياً بالمرة، كما لم تصدر عن واشنطن أي تصريحات رسمية، بل تم ذلك عبر العديد من تسريبات وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، خصوصاً صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، وبعض الفضائيات مثل «سي إن إن».

وكان لافتاً للنظر قول الإعلام الأمريكي إن الهجوم الإسرائيلي استهدف نظام رادار للدفاع الجوي يحمي المنشآت النووية في نطنز في مدينة أصفهان، وأن الهجوم نجح بتدمير المنشأة، رغم أن تسريبات أخرى قالت إن الهجوم تم بأسلحة أقل، ودمر فقط أحد المطارات.

أمريكا سربت أنها منزعجة من حكومة نتانياهو لعدم استجابته للتحذيرات بعدم القيام بالهجوم، لكن في نفس الوقت، فإن واشنطن أكدت أن الهجوم كان محدوداً، وتم تصميمه بقذائف صاروخية صغيرة الحجم، بحيث لا يؤدي إلى رد فعل إيراني قوي.

التسريبات تقول إن تل أبيب أبلغت واشنطن بالعملية قبل القيام بها. وهو أمر طبيعي ومنطقي، ويصعب على إسرائيل تماماً أن تخاطر بعدم إخطار واشنطن.

المنطقي أن تل أبيب أبلغت واشنطن بالضربة وبتفاصيلها، ويبدو أيضاً أن الضربة تم تصميمها بحيث تكون شديدة «المحدودية»، وبالتالي، لا تقوم إيران بالرد.

ما يؤيد ذلك، أن طهران أنكرت وجود هجوم عسكري عليها من خارج أراضيها، بل إنها أكدت أن المسيرات التي تم إسقاطها انطلقت من داخل البلاد، وليس من خارجها.

يعزز ذلك أيضاً، قول العديد من المسؤولين الإيرانيين بأن الهجمات لم تسبب أي خسائر، بل إن وزير الخارجية الإيراني، أمير حسين عبداللهيان، قال إن ما تم هو ألعاب صبيانية، واتهم وسائل إعلام عالمية داعمة لإسرائيل، بالمبالغة في تصوير الهجوم وكأنه كبير.

ما الذي يعنيه كل ما سبق؟!

في تقديري أن ما حدث تراجع عن التصعيد.

إسرائيلياً، كان لافتاً للنظر التغريدة التي كتبها وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، حينما وصف الهجوم الإسرائيلي بكلمة عبرية تعني «ضعيف أو سخيف أو مهزلة»، الأمر الذي دفع زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، لاتهامه بأنه لم يحدث في تاريخ إسرائيل، أن قام وزير بإحداث أضرار في الأمن القومي للبلاد، مثلما أحدثه بن غفير.

إيرانياً، فإن التأكيدات الرسمية على أن الهجوم من الداخل وليس الخارج، وأنه ضعيف، وأن المنشآت النووية آمنة، يعني أن إيران لن ترد مرة أخرى على إسرائيل، لأنها هددت كثيراً بأن أي رد إسرائيلي سيقابله رد إيراني ساحق.

أمريكياً، كان واضحاً أن الرسالة الأساسية هي هندسة الصراع وفرملته، بحيث لا يقود إلى صراع إقليمي كبير. خبراء ومعلقون قالوا بأن بايدن أبلغ نتانياهو بأن أي صراع إسرائيلي إيراني مفتوح، سيقود المنطقة إلى حرب لا يمكن التنبؤ بنتائجها، سيكون ضاراً جداً بالمصالح الأمريكية.

التقديرات الأمريكية أن أي توسيع للصراع، سيكون خطراً شديداً على فرص الرئيس جو بايدن في المعركة الانتخابية في الخريف المقبل، وهو أمر لا يمكن لبايدن أن يتسامح معه، في حين أن أحد أهداف نتانياهو الأساسية، هو استدراج إيران لصراع مفتوح، بحيث يستخدمه للقضاء على البرنامج النووي الإيراني من جهة، وأيضاً كستار لاستكمال تصفية القضية الفلسطينية.

السؤال: إلى متى سوف تتمكن الولايات المتحدة من «هندسة وفرملة» الصراع وحصره في غزة، وبعض الجيوب الأخرى في جنوب لبنان والبحر الأحمر؟!