المادة المضادة والمادة السوداء أو المظلمة من مكونات الكون المرئي التي قد تغير نظرتنا للنموذج المعياري في الغد القريب.

غالباً ما يتساءل البشر عن: ماذا كان قبل، وماذا سيحدث بعد؟. وفي موضوع الكون المرئي، هناك سؤال عن ماذا كان قبل الانفجار العظيم؟ وماذا سيحدث للكون المرئي في نهاية صيرورة الخلق؟.

في اللحظة صفر قبل بدء الزمن، قبل 13.8 مليار سنة،حدث الانفجار العظيم كما نعلم، والذي منه انبثق كوننا المرئي، وما يرافقه من مكان وزمان وطاقة، والتي كانت ممتزجة في حالة يعجز العلماء عن وصفها بدقة وسميت بالفرادة الكونية singularité cosmique. وفي اللحظة 10-14 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم،ظهرت القوة الكونية الجوهرية الأولى وهي قوة الثقالة أو الجاذبية la gravitation وتبعتها القوى الكونية الجوهرية الثلاثة الأخرى وهي الكهرومغناطيسية électromagnétisme و القوة أو التفاعلات النووية الشديدة interactions forte و القوة أو التفاعلات النووية الضعيفة interactions faible التي سوف تتحكم وتنظم سلوك الجسيمات الأولية. وفي اللحظة 10-30 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، ظهرت على نحو متماثل ومتناظر، كما كنا نعتقد، المادة والمادة المضادة بنفس الكمية. ثم تمدد المكان فجأة على نحو مدهش، وفي داخله بدأت تتكون الجسيمات الأولية من المادة ترافقها جسيمات أولية مضادة مماثلة في كل شيء ما عدا الشحنة الكهربائية، وعند إلتقاء جسيم أولي من المادة مع نظيره من المادة المضادة يفني أحدهما الآخر مخلفين نفحة من الضوء. وفي اللحظة 10-27 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، حدث خلل في التوازن والتناظر الكوني بين كمية المادة والمادة المضادة بسبب جسيم أولي هو النيوترينو. وفي اللحظة 10-11 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، انتقل انعدام التوازن والتماثل أو التناظر إلى الكواركات. فالليبتونات تتحول إلى كواركات والليبتونات المضادة تتحول إلى كواركات مضادة، إلى أن الخلل الذي أحدثه النيوترينو وكسر التناظر التام السابق بين المادة والمادة المضادة انتقل إلى الكواركات والكواركات المضادة فكان عدد الكواركات يزيد قليلاً على عدد الكواركات المضادة. وفي اللحظة 10-6 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، انتقل الخلل في التوازن والتناظر إلى البروتونات والنيوترونات. ففي أعقاب انخفاض درجة الحرارة على قدر كاف تحولت الكواركات إلى بروتونات ونيوترونات وهي المكونات الأولية لنوى الذرات فيما كونت الكواراكات المضادة بروتونات مضادة ونيوترونات مضادة مع الحفاظ على التخلخل في التناظر والتوازن. وفي اللحظة 10-4 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم حدث عملية نفي متبادل كبرى بين المادة والمادة المضادة محدثة ومضات من الضوء وكانت ردة الفعل غير المتماثلة réaction asymétrique التي أحدثت الفائض في إنتاج النيترونات مقابل النيوترونات المضادة هي التي أحدثت الاختلاف حيث فنيت كامل المادة المضادة فيما بقيت كمية قليلة جداً من المادة فائضة عن عملية الفناء المتبادل الكبرى، بعبارة أوضح، فإن واحد نيوكليون ــ بروتون أو نيوترون ــ سيكون لكل 10 أمتار مكعبة للكون المرئي في حين قبل التضخم الهائل المفاجيء كانت هناك 1040 من النيوكلونات في السنتمتر المكعب الواحد للكون المرئي. وفي اللحظة 10-3 من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم بقيت المادة لوحدها في الكون المرئي الوليد فكل الجسيمات المضادة فنيت ودمرت ولم يبق سوى حبيبات لامتناهية في الصغر من المادة التي نظمت نفسها وهيكلتها بالتدريج لتتجمع وتكون الذرات الأولية ومن ثم النجوم والكواكب والمجرات الخ.. 

مما لاشك فيه وفق الحسابات النظرية المتداولة ، إن الانفجار العظيم أوجد نفس العدد والكمية من الجسيمات الأولية والجسيمات المضادة لها وكان من المفترض أن يلتقي كل جسيم أولي مادي بنظيره الجسيم المضاد الأولي ويفنيه وينفني معه مولداً في كل مرة شعاعاً من الضوء، وكان من المفترض أن يفرغ الكون المرئي الوليد في اللحظة 10-3 بعد الانفجار العظيم من كل مادة ومادته المضادة ولن يكون هناك سوى محيطات لامتناهية من الضوء التي ستضعف مع استمرار التمدد والتوسع للكون المرئي الوليد وهو عالم فارغ خالي من المحتويات و لا حياة فيه. 

أما إكتشاف المادة المظلمة أو السوداء فقد يدفعنا إلى أن نعيد النظر ونراجع تعريف ما لدينا من نماذج نظرية بشأن الكون المرئي فقد كشفت هذه الدراسة الجديدة أن المادة المظلمة قد لا تكون متجمعة ومركزة في مناطق معينة من الكون المرئي كما كان يعتقد سابقا. ففي الواقع، فإنه من الممكن جدا أن تكون المادة المظلمة منتشرة على نحو متساو في الفضاء. 

وبغية دراسة هذا المكون الكوني، راقب ورصد علماء الفلك منطقة محددة من السماء تغطي حجم حوالي 2200 مرة من حجم القمر الكامل، وتضم أكثر من 15 مليون مجرة.

وبإلقاء نظرة فاحصة على نتائج الرصد والمشاهدة تبين على نحو شبه قطعي أن المادة السوداء أو المظلمة والطاقة المظلمة أو الداكنة أو المعتمة، هن بلا أدنى شك من أهم المكونات العسيرة الإحاطة وبعيد المنال للكونالمرئي. ظلت المادة المظلمة أو السوداء على وجه الخصوص هي التي يتعذر رصدها على نحو مباشرولم يتم كشفها على نحو كامل وتام ، أي لم تعرف ماهيتها بعد. ولم يتم ملاحظة وجودها إلا من خلال تأثيرات الجاذبية أو التأثيرات الثقالية التي يعتقد أنها تنتجها والتي توجد أساسا، من أجل جعل النظريات التي تتعاطى معها أكثر متعة إلى حد ما. ولكن، على الرغم من العديد من الدراسات إلا أننا نبقى إلى حد كبير في الظلام ونجهل كل شيء تقريباً عن هذه المادة السوداء ربما بسبب كونها غامضة. فجميع علماء الفلك من أمثال هندريك هيلدبراند de L’Argelander Hendrik Hildebrandt من -معهد für فور لتدريس علم الفلك في بون، في ألمانيا وماسيمو فيولا Massimo Viola من مرصد لايدن في هولندا، عازمون على الاستمرار في دراسة المادة المظلمة السوداء والبحث عن الطرق اللازمة للعثور عليها. فهيلدبراند وفيولا، جنبا إلى جنب مع فريق من العلماء من عدة مؤسسات دولية، يعتقدون أن المادة المظلمة أو السوداء قد لا تكون محصورة في مناطق محدودة المسافات ومتجمعة أو متمركزة فيها كما كانوا يعتقدونفي الماضي القريب. فمن الممكن جدا أن المادة المظلمة تنتشر بشكل متساو في الفضاء. وعلى نحو متسق.ووفقا للدراسة التي نشرها المرصد الأوروبي الجنوبي(ESO)، درس علماء الفلك الصور من المسح كيلو درجة (KiDS - Kilo)، من خلال عملية المسح بواسطة تلسكوب VLT Survey Télescope (VST) de l'ESO في شيلي اتخذت من منطقة من السماء تغطي حجم حوالي 2200 مرات من القمر الكامل، وتضم أكثر من 15 مليون مجرة. ولكي نقوم بعملية صقل لفهمنا يتعين علينا أن نلجأ إلى استخدام جهاز كمبيوتر أو حاسوب متطور ومبتكر لتحليل الصور، وبفضله صار بوسع الفريق العلمي أن بتقدم في دراسة ظاهرة تعرف باسم القص الكوني cisaillement cosmique – عندما يغدو الضوء القادم من المجرات البعيدة مشوهاً قليلا من آثار الجاذبية أو الثقالة الناجمة عن كميات كبيرة من المواد أيضاً، وكما هي العادة بشأن الهياكل والبنيات الموجودة على نطاق واسع في الكون التي تختفي المادة المظلمة أو السوداء فيها. إنها البديل الأكثر دهاء من العدسات الثقالية الضعيفة.

"هذه النتيجة الأخيرة تشير إلى أن المادة المظلمة أو السوداء في الشبكة الكونية، التي تمثل نحو ربع محتويات الكون، هي أقل حبوبية أو محفريةgrumeleuse مما كنا نعتقد في السابق"، كما أوضحالعالم فيولا. لكن هذا الاستنتاج، مع ذلك، يتعارض مع نتائج الاستنتاجات الحدسية المستحصلة من عمليات رصد التلسكوب الفضائي بلانك Planck التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (l'Agence spatiale européenne ESA).

الخلافات بين مجموعتين من البيانات ليست حقا مثيرة للدهشة. ففي الواقع، انها كانت متوقعة تماما نظرا لمدى التكنولوجيا الحديثة التي مكنتنا من تطويرفهمنا للأشياء - فليس هناك شيء أكبر من الكون، الذي يتطلب تحسناً هائلاً في مستوى فهمنا وإدراكنا.

وأضاف العالم هندريك هيلدبراند "ان النتائج التي توصلنا إليها قد تساعدنا على صقل ما لدينا من نماذج نظرية لكيفية تشكل الكون المرئي وكيفية تنامي مكوناته وتوزعها منذ نشأتها حتى يومنا هذا".