اسمع يا بشار: حين ارتكبت المجازر في حلب، وفتحت الأبواب للمليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية، لقتل النساء والأطفال، وهتك الأعراض؛ لا تتصور أنك بذلك أنهيت ثورة الشعب السوري ضدك!

لا تتوهم ذلك!

قبلك قام والدك عام 1982 بهدم مدينة حماة على رؤوس أهلها، وأباد عشرات الآلاف من الناس العزل، وملأ سجن المزة والسجون الأخرى بآلاف الأحرار، وكمم أفواه الناس، ولعب ما شاء بالرشوة والسوط، ثم ثار الشعب السوري مرة أخرى، وسيبقى ثائرا حتى يحقق إرادته!

ذلك أن ثورات الشعوب، وحروبها الدفاعية الوطنية عن حقوقها الأساسية؛ هي حاجة موضوعية تاريخية ومادية جارفة كالأنهار العظيمة المنحدرة من الجبال ، إذا اعترضت طريقها عقبات طارئة؛ لا تلبث أن تزيحها، لتواصل مسارها حتىتصل المصبات الشاسعة! 

يقولون أنك طبيب عيون، لكنك لم تعالج عينيك حتى الآن؛ لتقرأ التاريخ جيدا!

هناك مئات الشواهد عن ثورات الشعوب التي قهرت مرات، ثم نهضت، ونالت ما تريد. ثم لا ينكر عاقل بعدها أن صعاب الثورات، وهمومها الكبرى؛ تكون أكثر وأعمق بعد انتصارها، وهذه قضية أخرى! 

لقد قهر الصهاينة الوافدون سكان الأرض الأصليين الفلسطينيين وأجلوهم، وقتلوهم والحرب توقفت، والصهاينة يسيطرون اليوم على أكثر من ثمانين بالمائة من فلسطين، ولكن القضية الفلسطينية لم تنته، لا تزال تؤرق المنطقة، وتشغل العالم، حتى ينال الفلسطينيون حقوقهم!

قبل أكثر من قرن انتفض الشعب الكردي مطالبا بحقه بدولته الوطنية المستقلة،وأقام جمهورية مهاباد ، فانبرى العتاة المنتصرون في الحرب، لسحقها والحيلولة دون تحقيق حلم الأكراد المشروع بدولتهم، ولكن ثورة الأكراد لم تنته!ومهما اختلفنا مع طروحات بعض قادتها، ونزعاتهم التوسعية، أو لجوء بعضهم للأعمال الإرهابية، لكن الضمير الإنساني عموما مع الأكراد في حقهم بالاستقلال الوطني، وثورتهم ستنتصر لا محالة!

ثار الشعب الإيراني ضد نظام الشاه وكاد ينتصر تماما، لولا أن أمريكا وفرنسا وبريطانيا؛ مارسوا خبثهم المعهود فأتوا بالخميني لغاياتهم المعروفة، ونفذها لهم خانعا وهو يشتمهم، ويصفهم بالشياطين ، في مشهد كوميدي! لكن الثورة الإيرانية لم تنته، هي لا تزال قائمة متأججة، وصفوف أبنائها تملأ راياتهم الأفق، وسينتصرون قريبا، ويلقون حكم الملالي، حيث يستحق أن يكون!

وعلى مدى عقود ثار الشعب العراقي ضد صدام ونظامه ، فأحبطوا مرات ومرات، ومهما قيل حول احتلال الأمريكان للعراق، وإسقاط صدام وحزبه الخانع له، مثلما سيقال الكثير حول (الاحتلالين) الروسي والإيراني لسوريا اليوم، حيث دائما هناك ثعلب حلال، وثعلب حرام، فلا يمكن تجاهل أن الشعب العراقي لم يترك لإرادته ليشق طريقه، ويبني عهدا جديدا، لقد دخلت عليه إيران كعادتها، وتخاذلت أمريكا معها كعادتها، ودول المنطقة كعادتها، وأجهض حلم العراقيين في التغيير المنشود!

اليوم لا يستطيع أحد نكران أن نظامي الحكم في بغداد ودمشق متحالفان، وبعد أن كانت المخابرات السورية تصدر السيارات المفخخة للعرقيين؛ حتى أنالحكومة آنذاك اشتكت عليها لدى الأمم المتحدة؛ صارت المخابرات العراقية اليوم ترسل المليشيات لحماية المخابرات السورية، فقط من أجل الطائفية،والمذهبية، وامتثالا للحلم الإمبراطوري الفارسي!

الثورة العراقية قد أحبطت اليوم،تناهبها الفاسدون، وخدم إيران، لكنها لم تنته، ستبقى كالثورة السورية قائمة مهما علاها الرماد، ستتأجج وتحقق أهدافها، وبعض شواهدها: هبة أبناء الجنوب الشرفاء بوجه المالكي، والوعي الجديد لدى الناس في المدن الشمالية والغربية، الآخذ بالتبلور من أجل التغيير الصحيح،في مشروع يقوم على الوطنية والمواطنة، وقفات المناضلين المخضرمين في ساحة التحرير ببغداد، وغيرها الكثير، والقادم أعظم!

الثورات في مسارها تتعلم من آلامها ودمائها ، وتكون دروسها عادة باهظة الثمن، الثورة الجديرة بهذا العصر هي بنفسها ستسحق الدواعش وأمثالهم من الإرهابيين والمتعصبين الرجعيين المتبرقعين بالدين، فهم يتسللون إليها من جحور أعدائها، أكثر من حواضنها المحلية، مثلما تخرجت دفعات القاعدة الأولى من المخابرات السورية، لشيطنة الثورة والثوار!

كذلك فعل والدك حين وقف مع الخميني في حربه العنصرية الطائفية على العراق، في الثمانينات ، وظل الخميني يرفض إيقاف الحرب رغم المناشداتوالقرارات الدولية ؛ حتى تجرع كأس السم، بذلك كان والدك هو من بدأ الاصطفاف الطائفي في المنطقة الذي تفاقم اليوم، بهذا الشكل الجنوني الذي أنجب دواعش باسم السنة، ودواعش باسم الشيعة، وأشاع الإرهاب الطائفي على الجانبين! 

الثورة في صعودها إلى النضج، تطرد كل فكر طائفي متعصب متخلف مناف لقيم العصر والحضارة ،لا من أجل أن تجد حلفاء لها في هذا العالم وحسب،بل لكي تنسجم مع نفسها، ومع حاجات الناس الحقيقية!

الثورة السورية هي اليوم في أتون التجربة، وفي ذروتها مهما تعرضت للنكسات! 

ستنهض وستكون هذه المرة صافية واضحة الهدف، لا تسمح أن تطمس ملامح وجهها: فهي وطنية، ديمقراطية ،علمانية، لا غير، مهما خسرت من أصحاب وأصدقاء وحلفاء، ما أفادوها في شيء مهما جارتهم في التخلي عن ثوابتها!

الثورة لم تنته، عرفت الآن من هم حلفاؤها، ومن هم أعداؤها! 

من أغدق عليها الوعود، ثم تخاذل ونكث وتراجع، ولم يفكر حتى بقطع العلاقات مع روسيا التي تذبح السوريين، وتقف بصف حكام إيران الأعداء الرئيسيينلدول المنطقة وشعوبها ، والصانعين الحقيقيين للإرهاب! 

ما زال لدى الثورة السورية رصيد هائل لم يستنفد بعد!

لديها مواقع لا تزال حصينة على الأرض، ومئات آلاف الشباب الذين بلغوا سن الرشد تحت لهيب الثورة، وكثير منهم سيعود من المنافي وهو أشد عزما ومضاءً!

لديها الأرض الواسعة الغنية بالغابات والجبال والمغاور والطرق الوعرة! 

الشعب الذي قتل منه أكثر من نصف مليون إنسان بريء،وسجن وشرد منه أكثر من أربعة ملايين في أصقاع العالم ، لا يضيف لخسارته الفادحة هذه؛ ذل الاستسلام والخضوع والتسليم لك يا بشار لكي تعود لحكمه والتحكم بمقدرات بلاده، التي سلمتها للروس والإيرانيين يفاوضون حولها ويبيعون ويشترون، وأنت صاغر!

صار لدى ثوار سوريا اليوم من الغضب الثوري ما يكفي لكسر فولاذ أساطيل روسيا وإيران وغيرهما!

أمامه اليوم تجارب الثورة الفيتنامية في حرب العصابات، والثورة الصينية في المسيرة الطويلة، والنفس الطويل! 

 

لديه خبرات ثورات المجر والجيك وأفغانستان التي يعرف حاميك وراعيك بوتين وقائعهم جيدا!

ثوار سوريا تدربوا وتمرسوا في سوح قتال حقيقية، وليسوا مثلك يا بشار؛أدرتها وشقيقك وأقاربك من غرف المؤامرات الدولية، والأحقاد الطائفية! 

لا تفرح يا بشار!

الثورة السورية ستنهض أقوى وأعظم من ذي قبل!

وموعدها معك وأصحابك حيث أنتم لا تحتسبون!