تعرفت إلى رجل, من سوريا, أصبحا فيما بعد من أقرب الأصدقاء. في لقائنا الأول سألني عن إسمي العائلي "نقشبندي" وعلاقته وعلاقتي أنا بالصوفية. ومنها انتقلنا إلى الحديث عن الإيمان والإسلام بحكم معرفته بالتصوف. رحت أحدثه بحماسة وكأني المهدي المنتظر, متوقعا ان يتفق أو يختلف معي حول بعض النقاط الجدلية. لكن لم يصدر منه تعليق واحد سوى إيمائة وموافقة على ما أقول, حتى شككت في معرفته بشيء عن الإسلام. في نهاية اللقاء,مال علي وقال بصوت هامس متردد "أنا مسيحي". جفلت, وخجلتمن جهلي. كان علي ان ادرك أنه ليس مسلما لعدم معرفته بما افترضته معروفا لأي مسلم.

انشغلت بعد اللقاء افكر في نقطتين: الأولى, هي همسه وتردده في إخباري بأنه مسيحي. فجعلت اتسائل عن سر هذا الترد. من يدرك حجم عنصريتنا الدينية, في المنطقة العربية, سيدرك جواب سؤالي. فإن ادعيت أن المسيحي العربي يعامل على قدم المساواة مع المسلم, فسأجانب الحقيقة. فنحن عنصريون لسنيتنا امام الشيعي,فما بال المسيحي؟ من يقول إن داعش وحدها تكره النصاريوالشيعة وتقتلهم, سأقول له ان نصف العالم الإسلامي داعشي في أعماقه إذا. في الظاهر, نتعاطف مع من ُيقتل منهم. لكننا نحجم عن الترحم عليهم او تسميتهم بالشهداء بحجة أنهم ماتوا على الكفر. من يقرر ذلك؟ ليست هذه اطروحة دينية اقدمها, لكن ما يجهله العالم العربي هو ان المسيحية ليست سوى العمق الثقافي للإسلام. فأكثر قريش نفسها في عهد الرسول كانت نصرانية, وعلى رأسها ورقة بن نوفل إبن عم السيدة خديجة, الزوجة الأولى والأثيرة للرسول. أجحفنا بحق الطوائف التي عاشت بيننا. نصرانية وشيعية وصابئة وأيزدية.اعتبرناها أقلية, وعاملناها بتعال وفوقية. دون ان تفارقنا عباراتنا المكررة عن عدالة الإسلام وإنصافه مع أهل الذمة وغيرهم. أين هي هذه العدالة الآن؟ العنف والتطرف لم يأت من أولئك الذين نتعالى عليهم, بل منا نحن, بحقهم وبحق انفسنا.

النقطة الثانية التي لفتت انتباهي, هو جهل المسيحي العربي بالإسلام الذي يعيش بينه. يمكن ان نلومه على ذلك, وحق علينا أن نفعل لو لمنا انفسنا ايضا, نحن المسلمون, على عدم معرفتنا بالمسيحية ايضا. باختصار, نحن نجهل بعضنا, ونكره بعضنا,دون ان نعطي انفسنا الفرصة لفهم بعضنا. وكم سنذهل, عندما نكتشف أن الأبعد عنا في الفكر والدين, ربما كان الأقرب إلينا. لامناص من حاجتنا الى معرفة الأخر دون احكام مسبقة. لا مناص عن القبول به مواطنا من الدرجة الأولى. المعرفة سلاح عظيم لا يقود إلا إلى الخير. وهذا ما نحتاج اليه كي تخمد معاركنا ويهدأ جنوننا الطائفي.

[email protected]