العودة الي الاردن “الواقعي و الحقيقي” ،الذي نحبه و نفتديه ، بعيدا عن كلام جلسات الثقة السحابية، و مخاضات الحكومات الضبابية المتعاقبة في اظهار الاردن الوردي و الدولة المتميزة بخدماتها التي يتوقع لها بحلول عام ٢٠٢٢ عدم المقدرة علي الاستمرار و التصحر السياسي و الاقتصادي ، ما لم يتم تغيير النهج و اختيار حكومات قوية غير تابعة لاحد، ووزرائها غير مقيدين او مكبلين او منافقين او مساقين ، حكومات لها رؤية و موقف و خطط ، لا حكومات الفزعة المؤقتة و الحشائش الاصطناعية البلاستيكية .

 حكومات يحاسبها مجلس منتخب انتخاب حر دون خوف و تبعية ، مجلس نيابي قادر علي سحب الثقة من وزير او رئيس وزراء مقصر ، ومجلس نيابي اعضائه قادرين علي تقديم حلول للحكومة لضمان النجاح ،لا فقط مجلس معارض سياسات امام الكاميرات المتلفزة ، و مجلس اعيان يقدم النصح و المشورة لا يحضر للمشاركة فقط والمظاهرالخاصة باحتفالية التمرير للقوانين. 

الحكومات و المجالس النيابية و الاعاين يدفع لها المواطن من جيبه الخاص الملايين ، انها ليست منحة ملكية او هبة خليجية مجانية ، بل هي من مصادر جيب الشعب ، لذا من حق الشعب ان يآخذ افضل الاستشارات و الحلول و الافكار لاجل المستقبل و الا عليهم الرحيل ، كما يعتقد البعض.

 ولقد آقترح البعض لفشل المجالس و الحكومات ان يتم الغائهم جميعا ، اعادتهم الي منازلهم ، و احضار شركة خاصة عالمية تدرس و تقدم الحلول و الضمانات لنجاح الخطط مثل شركة بوسطن جروب او ماكينزي اللذين يديرون بعض من دول الخليج و الدول الاوروبية . فآن التكلفة ارخص و النتائج افضل . (* انا لست مع هذا الطرح و لكنه متداول ).

 بعكس ذلك فان المملكة مهددة و ستواجه مخاطر المجاعة و البطالة و الحمولة الاقتصادية الزائدة الناتجة عن العجز المالي المتراكم في الموزانات و الذي ياكل سنويا ٢٠٪ من لحم و كتف الدولة ، بمعني ان خمس سنوات كافية لقضم ١٠٠٪ ، و ظهر هذا العام في اول موازنة قدمتها حكومة الدكتور هاني الملقي بما قيمته عجزا يفوق مليار دينار، غير فوائد الاقتراض من البنوك المحلية والدولية و صندوق النقد الدولي و اخيرا قروض من دول مثل المانيا و اليابان لدفع رواتب الموظفين و غيره من الامور.

حكومات بلا خطط و لا حلول

و علي الرغم من ان الاردن تضاعف تعداد سكانه خلال ثلاثين عاما من اربعة ملايين و نصف الي تسعة ملايين ، و اضيف اليهم ثلاثة ملايين نسمة بين لاجيء سوري ، عراقي ، ليبي، سوداني ، يمني ، و عمالة مصرية ، الا ان بعض الحكومات المتعاقبة عملت دون اي خطط لمعاجلة تلك الازمات سوي التوسل الي الدول المانحة و البكاء علي موائد المحسنيين و الشكوي في المحافل الدولية.

و للتذكير فقط انه لم يتم خلال الحكومات الاخيرة ايجاد حلول او مقترحات بمشاركة و تفاعل من مجلس النواب ، و اكتفت الدولة بمسرحيات تغيير روؤساء حكومات واحد تلو الاخر ، و حل مجلس نيابي تلو الاخر لارضاء الشارع و الهائه احيانا اخري ، واجتهد بعض رؤوساء الحكومات بما املي عليهم من وزراء ضعاف في مراكبهم و بيدائهم ، ( بعض رؤوساء وزراء صرحوا بعد خروجهم من الوزارة انه قدمت لهم اسماء وزرائهم و لم يسمح باختيار اكثر من اثنين او ثلاثة )، رؤوساء وزراء تعاملوا مع الموقف و عاهدوا انفسهم ان يخرجوا من الحكومة باقل الاضرار عوضا ان يبقوا في مناصبهم لايجاد حلول للوطن.

و لقد ساهم في ازدياد الازمات بعض من مجالس نيابية ضعيفة وافقت و توافقت مع كل ما طرح من الحكومات الاضعف ، و اسدل الستار لعام ٢١٠٦ بمديونية وصلت ٣٥ مليار دينار ، و اغلاق و احتلال مدينة الكرك الاردنية ١٦ ساعة في عملية ارهابية نفذها اربعة اشخاص ، قبل ان تنتهي باحدي عشر قتيل وخمس و ثلاثين جريح من مرتبات الاجهزة الامنية و مواطنة كندية و قتل المجرميين الارهابيين علي يد ابناء الكرك المدنيين في ظاهرة غريبة علي الاردن، تلاها في يومها الثاني مجرم ارهابي اخر خدع الحكومة و الامن حسب رواية الناطق الرسمي فاستدرج رجال الامن الي شقته و قتل اربعة اخرين من جهاز الامن و الشرطة. تهريج لا يحدث حتي في الافلام الكوميدية . علينا ان نعترف و نتحمل النتائج لاجل المستقبل . (البعض يري ان عملية الكرك كانت تجربة لمعرفة الجاهزية و كيفية التعامل ، ان عمليات اخري ستجري و تكون اكثر ايلاما ، كما و ان اختيار قلعة الكرك لم يكن مصادفة او هروبا ، بدليل تواجد كميات الذخيره داخلها ، بل عنوان للمواجهة اذ تمثل الحروب الاسلامية الصليبية ).

اسئلة احتار فيها المواطنون

سؤال بسيط في اي دولة في العالم يقوم الشعب بتزويد اجهزة الشرطة و الامن بالعتاد و الذخيرة ؟ في اي دولة اقسام البوليس لا يوجد بها اسلحة و ذخيرة ؟ ، في اي دولة رجل الامن لا يحمل اجهزة اتصال خاصة و شبكات مشفرة ؟ في اي دولة في العالم اربعة مجرمين ارهابين في مواجهة دولة وزرائها في “حيص بيص” يتابعون الاحداث عبر الواتس اب و الفيديوهات التي يسجلها للارهابين مواطنيين عاديين بدون اسلحة ؟ ، و تخرج الماكينة الاعلامية الحكومية عن صمتها في ثاني يوم بصورة للوحة رخامية كتب عليها” مركز ادارة الازمات “ يمتدحها رئيس الوزراء!. و يستغرب العامة اذ كيف رئيس الحكومة يمتدح نفسه ، لانه من المفترض ان الاجهزة التنفيذية تحت امرته ،و بالتالي مدحهم هو مدح لنفسه و حكومته ، اليس في حكومته وزير دفاع ووزير داخلية و تقع السمؤووليه تحت امرتهم؟. ام انهما مناصب شرفية وجاهية ؟.

و هنا لا بد من توجيه اهم سؤال في تاريخ المملكة الاردنية الهاشمية و هو : الي متي سيبقي غشاء و خيوط العنكبوت يغطي العقول و يعتمها ؟ الم يحن وقت المكاشفة و الشفافية و المصارحة و المواجهة ؟ وقت التخطيط للمستقبل و و التخطيط يعني التخطيط للاردن و ليس التوقيع علي اتفاقيات الدول المانحة و التعاون الدولي فقط. 

و اقصد آن الاردن في مآزق اقتصادي ، و تشرذم اجتماعي و استرخاء امني ، و ديكتاتورية مقنعة ، وتهجير قصري لابنائه، و اسلحة مهربة بالالاف من سوريا تارة و من ايام الرئيس صدام تارة اخري ، و اسلحة و ذخيرة من ايام الفدائيين الفلسطنيين مدفونة في المزارع (١٩٧٠ ) ، و خلايا ارهابية نائمة ماذا بعد ؟

ما هو المستقبل الذي ينتظر الاردن

ما هو المستقبل الذي ينتظر الاردن و ينتظر ابنائه و جيل من الشباب و الاطفال يكونون اربعين في المائة من التعداد الوطني ؟ ، ام انه فرض علي الشعب ان يعيش في وهم ، و ان يتابع فقط حكومة تلو الاخري، تحصد الثقة بالمساعدة من صديق ، و تستيقظ و تنام و تقبض رواتب و تمتدح بعضها البعض ، ثم ترحل محملة بما لذ و طاب و تترك للشعب مزيدا من المديونية و لفقر و البطالة ؟.

الي متي يجب ان يبرر كل مواطن يبحث عن مخرج او حل عما يدور في عقله و يقدم نفسه من جديد و يسترسل في تفسير انه لا يقصد الاسأة و انه موالي و ان غرضه الاصلاح ، اليس ذلك جزءا من القمع و الديكتاتورية المقنعة المفروضة عليه.؟ 

 اليس من حق المواطن ان يدلي بما يشعر و يعبر بحرية عن رأية في اطار من المسؤولية و ضمن الحقوق و الواجبات التي نص عليها الدستور؟.

وهل يجب ان يقول كل من ينتقد الحكومة انه يقصد نقدا بناءآ وانه مع الدولة و مع الاردن ومع رئيس الحكومة و مع الامن و مع الجيش و يدافع عنهم في بداية حديثه و نهايته ؟ ، اليس من المفترض ان ذلك شيئا طبيعيا لان الجيش جيش الوطن ، لا جيش فرد و لا شخص و لا حاكم او محكوم ، و حب الوطن هو شيئا فطريا جوهريا في النفس ، لا داعي آن كلما حدث شيء الركض نحو الدفاع و التبرير و التجييش في مواجهة المتصدين الماجورين التي تنبري اقلامهم ضد من يكتب رايا او يتحدث عن قصة وطن سرق في وضح النهار علي يد مجموعات لا تتعدي ٢٪ توارثت الحكم و المناصب و الجاهات و المغانم ، و القت بالمديونية الثقيلة علي الشعب الذي لم يعد يحتمل ، و لم يعد لديه الحد الادني من متطلبات الحياة. و بات فقراء الوطن و حراثيه هم من يقدمون ارواحهم فداءا و تضحية. 

 

و الاهم ان الوطن ليس للحكومة و مدراء الاجهزة الامنية و بعض المنتفعين ، لا ياساده ، ان الوطن للجميع ، الكبير و الصغير ، الغني و الفقير ، الرجل و المرأة ، الشاب و الفتاة ، المدني و العسكري و لكل من هو علي ارض تراب الوطن في الداخل و من هو في الخارج سواء عاملا او مهاجرا او منفيا باختياره. الوطن حق للجميع و المواطنة ليست حكرا علي احد.

 

و السؤال الثاني الاهم الي متي سيبقي نهج الحكومة الدفاع عن المقصرين و حمايتهم ؟ و الي متي ستبقي بعض المؤسسات تساهم في افشال نهج الرقابة الحقيقية و منع المجالس النيابية من اسقاط الوزراء ؟ لمصلحة من كل ذلك؟ ، اليس ذلك يفسر لدرء خطر امتداد المحاسبة الي المؤسسات نفسها ان نجحت المجالس في اسقاط المقصرين؟. 

 

الركض في سباق الفئران غير ذي جدوي

 

حتي لو ركضت الحكومة في كل الاتجاهات و نجحت و لو جزئيا لتدافع عن كل من الانهيار الاقتصادي والانهيار المجتمعي ُفأن السباق ذاته نحو اعادة هيبة الدولة من جهة و مكافحة الارهاب من جهة اخري في ظل غياب المؤسسية و العدل الاجتماعي و الشفافية و الثقافة “ الملكية “يخلق مشكلة كبيرة قوامها الضغط و التوتر الشعبي. 

 

من ولد في الاردن و عاش بها و انغمس في ترابها و خدم في معسكراتها و ضواحيها و ازقتها و حواريها وفلح ارضها و زرعها بعرقه و جهده و، و كل امرآة حملت و ربت و درست و و كل من افني عمره مع صدح الحكومات المتتالية بآن الاردن هاديء و آمن طوال خمسين عاما ، انزعج مما حدث في الكرك و غيرها من احداث مع تلك الحكومة سيئة الطالع من اول يوم كلفت فيها ، سوآء من غاز العدو الي المديونية ، الي حادث مقتل ضباط المخابرات في العقبة ، الي تحركات معان ، و الانكفاء امام شروط صندوق النقد و اختيارات غير موفقة لبعض من وزراء ضعاف الفكر و التوجه خاليين من كل هموم الخوف علي الاردن و مستقبله .

 

 فهل يلوم الشعب نفسه ام يلوم من حضر حلبة الملاكمة ووجه اللكمات علي المستوي الجماعي في سباق يشابه سباق الفئران نحو مصيدة تمتليء بالجبن.؟

 

وبالتالي الاردن يحتاج الي الحداثة في الفكر و اعادة المصالحة مع الذات ، و يحتاج إلى العمل الجاد من كافة الاطراف الشعب و الحكومة و المجلس النيابي و مجلس الاعيان و القوات المسلحة يدا بيد لضمان عدم الأفراد البشري او الشخصي او الجماعية الحكومية المكونة من وزراء ضعيفين بلا رؤية في اتخاذ قرار ، ايا كان القرار الذي يملي عليهم في الغالب ، و الاهم الا يحاول ان يتنصل احد من المقصرين من تقصيره ، محاولا أن يتقاعد مبكرا من السباق لاسباب صحية او غيرها ، على الرغم من التوتر والفوضى التي خلقتها مجموعة ارهابية.

 

استقالة الحكومة اول خطوات الاصلاح

 

حتي يعود الاردن الي وضعه الحقيقي و ان يتصالح مع نفسه ، علي رئيس الحكومة ان يقدم استقالته بمنتهي الرجولة و الاباء و المسؤولية ، و ان يترك للملك عبد الله الثاني حرية الاختيار وصفاء الذهن ، و ليس من الصعب جدا اقناع رئيس الوزراء على الاستقالة ووقف حكومته عن مطالبة الشعب لأكثر من ذلك التحمل .

 

الايمان بالوطن لا تأتي بسهولة إلى الإنسان ، لذلك الاتفاق علي الاستقالة بين الشعب و الحكومة التي عجز المجلس النيابي عن محاسبة فرد واحد فيها ،والتخلي عن السلطة لاجل الوطن ستكون سابقة جيدة تحتذي لم يسبق لها مثيل، و دليل موقف وطني رجولي من رئيس الحكومة ، ويجب أن تبقى هذه الوعود لاجل اردن نحب ، و ملك نفتدي.

 

نريد العودة الي المملكة الاردنية الهاشمية المتعاضدة في مواجهة الارهاب ، الامنة المستقرة ، و الشعب المتكاتف المتوحد خلف القيادة الهاشمية لنتمكن من وضع خطط حقيقية لمستقبل خالي من الخوف و الارهاب و المديونية ، لا المشاركة في سباق فئران نحو قطعة جبن افسدها المتجبرون المتلهفون ، الجالسون علي غنائم كراسي الدوار الرابع .

 

الاردن لها خيل اجياد اصيلة تسابق الريح و لا تعبء بالسباقات الاخري، حماك الله يا وطني

 

عبد الفتاح طوقان

 

[email protected]