لا يختلف اثنان على أن دولة الامارات هي عنوان العطاء في العالم، وهذه ليست شعارات نرددها في الإعلام، ولا حديثاً خاوياً من المضامين، بل أرقام واحصاءات لا تسلط الامارات عليها الضوء لأنها لا تبتغي من ورائها جزاءاً ولا شكوراً من أحد من البشر، ولكنها تنطلق في ذلك من مجموعة من القيم والمبادىء التي تشكل في مجملها الإطار الأخلاقي للبناء الاتحادي الذي قامت عليه دولة الامارات العربية المتحدة.

في العلوم السياسية، هناك مايعرف بمنظومة القيم والأخلاق الحاكمة لسياسات الدول، وهذه المنظومة ليست واحدة لا ثابتة في جميع الدول، ولا تتكىء على مبادىء وأسس واحدة، بل هي مرآة عاكسة للثقافات والهويات والإرث الأخلاقي والانساني للمجتمعات والشعوب والأمم، وهذه المرآة تعكس في دولة الامارات رونامة قيم نبتت في تراب هذا الوطن وارتوت بسواعد أبنائه، غرسها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ورعاها وعززها حتى باتت شجرة وارفة الظلال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله.

وبالأمس، أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ أن عام 2017 في دولة الإمارات سيكون شعاره "عام الخير" ليكون تركيز العمل خلال العام الجديد على 3 محاور رئيسية، هي ترسيخ المسئولية المجتمعية في مؤسسات القطاع الخاص لتؤدي دورها في خدمة الوطن والمساهمة في مسيرته التنموية، والمحور الثاني ترسيخ روح التطوع وبرامج التطوع التخصصية في كافة فئات المجتمع لتمكينها من تقديم خدمات حقيقية لمجتمع الإمارات والاستفادة من كفاءاتها في كافة المجالات والمحور الثالث هو ترسيخ خدمة الوطن في الأجيال الجديدة كأحد أهم سمات الشخصية الإماراتية لتكون خدمة الوطن رديفا دائما لحب الوطن الذي ترسخ عبر عقود في كافة قلوب أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها.

إنني، كباحث، أرى في هذه المحاور جهد محمود يستهدف تعزيز "مأسسة" أو الإطار المؤسسي للعمل الخيري وتحويله إلى منهاج عمل وثقافة مجتمعية متكاملة وشاملة، فالشراكات المجتمعية، وتحديداً بين القطاع الحكومي والخاص، هي عماد التنمية خلال المرحلة المقبلة في الدولة، ومن ثم فإن وضع خارطة طريق واضحة لتحويل المسؤولية الاجتماعية من شعار إلى برامج عمل واقعية قابلة للتطبيق تلتزم بها شركات القطاع الخاص، يعني بالتبعية أننا بصدد حدوث طفرة نوعية هائلة في العطاء والعمل الخيري.

أما المحور الخاص بتعزيز ثقافة التطوع، فهو مثار اهتمام شخصي لي، لأن هذه الثقافة بالفعل موجودة بقوة في دولة الامارات، وكنت اتمنى دائماً أن يكون لها إطار مؤسسي داعم يشجعها ويعمل على توسيع نطاقها، والاستفادة من الحماس المتدفق لدى شباب الوطن جميعاً، وكذلك شريحة كبيرة من المقيمين على هذه الأرض الطيبة، لتقديم خدماتهم التطوعية لإنجاح أي عمل أو فعاليات أو الاسهام في البرامج الانسانية والاغاثية وغير ذلك. أما المحور الثالث الخاص بترسيخ خدمة الوطن في الأجيال الجديدة باعتباره أحد أهم سمات الشخصية الاماراتية، فهو محور استراتيجي بامتياز، كونه يؤسس لاستمرارية ثقافة العمل الخيري والتطوعي في المجتمع الاماراتي، ويضع الركائز القوية التي تحول دون انجراف مثل هذه القيم الانسانية النبيلة وسط طوفان العولمة الجارف، الذي يمكن أن يدفع أمامه الكثير من القيم الهوياتية ما لم يتم تعزيز البناء بمداميك راسخة تثبت أركان الثقافة المجتمعية وتصونها من خطر الانجراف، وتحفظ لمجتمعنا أصالته وعراقته وتفرده بمثل هذه القيم والتقاليد الانسانية الرائعة.

الخير والامارات، أو الامارات والخير في حقيقة الأمر هما وجهان لعملة واحدة، فمنذ تأسس هذا البلد الطيب، وأياديه البيضاء تتنقل بين أرجاء العالم تجفف دموع المحتاجين وترسم البسمة على شفاه المحتاجين من الضعفاء والفقراء وضحايا الكوارث الطبيعية والانسانية على حد سواء، والأهم أن ذلك كله يمضي من دون ضجيج إعلامي وأيضاً، وهذا هو الأهم، من دون تفرقة بين لون وجنس وعرق وبشر.

هذه المبادرة الانسانية الرائعة بشأن عام الخير تجسد دور الامارات ورؤيتها للعالم بل رسالتها الانسانية، فالقيادة الرشيدة في دولة الامارات، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ ومتابعة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قد جعلت من الامارات عنواناً للخير والعطاء الانساني، بل جعلت منها عاصمة للانسانية، ففقد احتلت الامارات المرتبة الأولى عالمياً كأكبر مانح للمساعدات الانمائية الرسمية قياساً بالناتج المحلي الاجمالي خلال عام 2014، حيث بلغ حجم المساعدات الخارجية التي قدمتها الدولة نحو 18 مليار درهم (89ر4 مليار دورهم) الأمر الذي يعكس وجود قناعة متجذرة على هذه الأرض بأن الامارات لديها رسالة انسانية عالمية، وأنها ستظل عاصمة انسانية ومحطة غوث ودعم للاشقاء والاصدقاء من شعوب العالم ودوله كافة.

 

ولعلي لا أجد أفضل من تعبير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في التعبير عن وجهة نظري تجاه دور قيادتنا الرشيدة في دعم جهود العمل الخيري والانساني والتطوعي، حيث يقول سموه " إن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة..دفعا بدولة الإمارات للمركز الأول عالميا في المساعدات الإنسانية الرسمية وهم الفرسان في هذا الميدان ".

هم بالفعل فرسان العطاء والبذل واغاثة الملهوف والمحتاج، فلننتظر جميعاً عاماً مليئاً بالخير والعطاء يزيل الغبار والاساءات والتحريف والانحراف في الرؤى والتفسيرات والأفكار وغير ذلك من مظاهر التشويه الذي لحق بديننا الحنيف، وشعوبنا التي لم تعد تسمع سوى حماقات الجهلاء من موجي الفكر الارهابي.