رغم الدمار والخراب الذي لحق بواحدة من أقدم المدن في التاريخ مدينة حلب السورية، تبقى حلب كما بغداد وصنعاء وطرابلس الغرب في ليبيا شاهدة على جنون أمة، أمة فقدت رشدها واتخذت من الغي سبيلا، بحور من الدم سالت كاشفة حقيقة الصراع في سوريا، صراع يتورط فيه تجار الدم ، مغلفين تجارتهم بدبلوماسية كاذبة تقول الكثير وتفعل القليل ، تجار الدم تحالفوا معا لتدمير دولة عربية، فساندوا بالاموال الطائلة الجماعات الإرهابية في سوريا عامة وفي مدينة حلب على وجه خاص، ومع ذلك نجح الجيش السوري بدعم روسي من تحرير حلب من قبضة الإرهابيين ليمثل ذلك تحولا استراتيجيا في معادلة الصراع القائم منذ أكثر من خمس سنوات.

قبل بداية الصراع في سوريا وتحديدا عام 2009 اتفق حكام دولة عربية مع حكومة "رجب طيب أردوغان" في تركيا على مد خط أنابيب للغاز يمر إلى سوريا وصولا لتركيا ومنها إلى الأسواق الأوروبية ، وهو ما يعني أموال طائلة لحكام الدولة بأقصر الطرق ، واستغل حكام تلك الدولة علاقات الصداقة القوية مع أسرة بشار الأسد ليوافق على مرور خط أنابيت الغاز القطري عبر الأراضي السورية، لكن المفاجأة هي أن بشار الأسد رفض الطلب . 

هنا بدأ صراع المصالح فإيران لديها ثروة كبيرة من النفط والغاز وحين طلبت من الأسد السماح لها بمد خط أنابيب يمر عبر سوريا إلى الاسواق الاوروبية وافق الأسد فجن جنون البعض وتركيا وبدأوا التخطيط للإطاحة بالنظام السوري.روسيا أيضا وهي الدولة الأولى في انتاج الغاز عالميا لا ترغب في أن يأتي الغاز القطري إلى أوروبا ليكون منافسا لها في الأسواق الأوروبية.

ربما يكون جزء من الصورة واضحا الآن، تكتمل الصورة أكثر حين تأتي في خلفية الداعمين لموقف الإطاحة بالأسد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهي دول أعضاء في حلف الناتو بالتعاون مع دول عربية وتركيا ، وهذه الدول ترى في إيران وحزب الله اللبناني حلفا شيعيا يريد البقاء على سلطة الأسد بدعم روسي، والروس لديهم قواعد عسكرية في سوريا ولا يرغبون في التواجد الغربي في هذا البلد.

تروج وسائل الإعلام الغربي صورة ذهنية عن النظام في سوريا، وتقول إن بشار الأسد يقتل شعبه، وإن الثورة اندلعت للمطالبة بالديمقراطية والعدالة والعيش الكريم، وهذا فيه جانب من الصواب ، لكنها تغفل تماما أسبابا آخرى للصراع من بينها النفط والغاز، وتحاول هذه الماكينة الإعلامية الإيهام بأن التدخل في سوريا حدث بعد أن قتل بشار الشعب السوري، صحيح هناك ضحايا سقطوا في قصف بشار للمدن السورية لكن أحدا لم يتحدث عن دعم الولايات المتحدة وتركيا ودول آخرى للإرهابيين وعلى رأسهم تنظيم داعش وجبهة النصرة وتسهيل مرورهم إلى سوريا ومدهم بكل أنواع الأسلحة من اجل تدمير سوريا من الداخل، وهذا ما حدث بالفعل، دمر الإرهابيون مدنا بأكملها واحتلوا مدنا أخرى، بل وأصدرت الامم المتحدة قرارات لحماية الإرهابيين وتأمين خروجهم من حلب، وكانت الخديعة الكبرى حين أطلق الإعلام الغربي عليهم لقب "ثوار" وهذا ما حدث في ليبيا أيضا بعد الإطاحة بالقذافي اواخر عام 2011

وضع حلب يلخص المأساة السورية أولا، والعربية ثانيا، والاسلامية ثالثا، والعالمية رابعا، من حيث الإعلان عن وفاة الضمير البشري، من أوصلنا إلى وضعنا المأساوي الحالي ؟

اليوم إنكشفت الحقائق ليتحول الظن إلى حقيقة، والشك الى يقين، والشائعة الى معلومة، المهم أن يفيق العرب من الجنون ، جنون دعم الإرهاب بالمال والسلاح لتحرير سوريا لا أدري ممّن يا ترى؟ حتى الدول التي لا تملك المال، دعّمت الارهاب بالبشر، تونس لديها نحو 5000 مسلح أرسلتهم حركة النهضة في عهد منصف المرزوقي، الآن يرغبون في العودة بعد ان ضاق عليهم الخناق في سوريا والعراق. اي جنون هذا الذي وصلت اليه الأمة،وكأنها تفتقد الذاكرة التاريخية ولا ترغب في استعادة تجربة الجهاديين في افغانستان إبان الغزو السوفيتي.على المؤسسات الدينية مثل الأزهر في مصر وجامع الزيتونة في تونس وغيرها أن تنير الدرب لهذا الجيل قبل أن يتوه في بحور الظلام.